انسحب الجيش الإسرائيلي الإثنين من مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة الذي طوّقه واقتحمه قبل أسبوعين مخلّفاً في ما كان أكبر مجمّع طبي في القطاع والأحياء المحيطة به الكثير من الدمار و"عشرات الجثث" وفق وزارة الصحة التابعة لحركة "حماس".
ومع دخول الحرب يومها الثامن والسبعين بعد المئة، أعلنت الوزارة أنّ القصف الإسرائيلي أدّى إلى مقتل 60 شخصاً على الأقل معظمهم من النساء والأطفال خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية وحتى صباح الإثنين في القطاع المحاصر المهدد بالمجاعة.
وأشار مكتب الإعلام الحكومي إلى أن إسرائيل شنّت عشرات الغارات الجوية التي ترافقت مع قصف مدفعي مكثف في أنحاء عدة من القطاع ولا سيما في خان يونس ودير البلح ورفح.
وأفاد شهود عيان عن وقوع اشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وحركة "حماس" في وسط مدينة خان يونس (جنوب)، وفي حيي الرمال وتل الهوى بمدينة غزة (شمال).
من جهتها، أعلنت الشرطة الإسرائيلية الإثنين توقيف شقيقة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية على خلفية تهم تتعلق بـ"الإرهاب". وقالت لـ"وكالة فرانس برس" إن "صباح عبد السلام هنية (57 عاماً) محتجزة في تل السبع وتخضع لتحقيق يشترك فيه جهاز الأمن الداخلي (شين بيت)".
وفي 18 آذار، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليّة كانت الثانية له في مجمع الشفاء الطبي منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول. وبرّر الجيش عمليته الثانية بتوافر معلومات استخبارية عن وجود "مسؤولين كبار" من "حماس" والجهاد الإسلامي فيه.
وأفادت وزارة الصحة أنّ المجمع صار خارج الخدمة، متحدثة عن دمار "كبير جداً" فيه وفي الأحياء المحيطة به مثل الرمال وتل الهوى ومخيم الشاطئ.
وأكّدت "انتشال عشرات جثث الشهداء بعضها متحلّل من داخل مجمع الشفاء الطبي ومحيطه"، مشيرة إلى أن "كافة المباني في مستشفى الشفاء تعرضت للحريق أو أصيبت بأضرار".
ورأى مراسل لـ"وكالة فرانس" وشهود في المكان الدبابات والمركبات العسكرية الإسرائيلية تنسحب من المجمع. وقالوا إنّ عدة مبان تضررت وأن آثار الحريق بادية على عدد منها.
وأشار مكتب الإعلام الحكومي التابع لـ"حماس" إلى أن الجيش شنّ غارات جويّة وقصفاً "للتغطية على تراجع دباباته وآلياته من مجمع الشفاء الطبي".
من جهته، أكّد الجيش الإسرائيلي إنهاء عمليّاته داخل المجمع ومحيطه. وقال في بيان إنّ قوّاته "استكملت هذا الصباح العملية في منطقة مستشفى الشفاء وخرجت من منطقة المستشفى".
وكان الجيش أعلن في وقت سابق أنه قضى على "أكثر من 200" عنصر من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في منطقة مجمع الشفاء، متعهداً مواصلة العملية العسكرية حتى "القبض على آخر" مقاتل.
وكانت "منظمة الصحة العالمية" أعلنت الأحد أنّ المستشفى لا يزال يضم 107 مرضى و50 عاملاً في المجال الصحي.
وذكر المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس الأحد بأن 21 مريضاً توفوا في مجمع الشفاء منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، مضيفاً أن المستشفى لا تتوافر فيه سوى زجاجة مياه واحدة لكل 15 شخصاً.
- ضربة في مستشفى الأقصى -
ووفق أرقام نشرتها "منظمة الصحة" في أواخر آذار، كان أقل من ثلث مستشفيات القطاع يعمل بشكل جزئي.
ومنذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول، شنّ الجيش الإسرائيلي عدداً من العمليات التي طالت مستشفيات ومرافق طبية ومحيطها، متهّماً "حماس" باستعمالها كستار لنشاطاتها. لكن الحركة نفت بشدة استخدام مقاتليها الشفاء وغيره من المرافق الصحية.
وأعلنت "منظمة الصحة العالمية" الأحد مقتل أربعة أشخاص وإصابة 17 آخرين في قصف إسرائيلي على مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط القطاع.
وقال تيدروس عبر منصة "إكس" "كان فريق من منظمة الصحة العالمية في مهمة إنسانية في مستشفى الأقصى في غزة عندما تعرض مخيم داخل مجمع المستشفى لغارة جوية إسرائيلية اليوم. قُتل أربعة أشخاص وأصيب 17 آخرون".
ونقلت منظمة "أطباء بلا حدود" عن أحد منسّقيها قوله "عندما سمع فريقنا دوي انفجار قريب، أوقف أفراده ما كانوا يفعلونه واحتموا داخل المستشفى".
من جهته، قال الجيش الإسرائيلي إنّ طائرة تابعة لسلاح الجو "قصفت مركز قيادة عملياتياً تابعاً لحركة الجهاد الإسلامي وإرهابيين متمركزين في باحة مستشفى الأقصى في منطقة دير البلح".
وأضاف: "بعد هذه الضربة الدقيقة، لم يتضرّر مبنى مستشفى الأقصى ولم تتأثر وظيفته".
وتوازياً مع العملية في الشفاء، أفادت "حماس" بأنّ القوات الإسرائيلية تتواجد في مجمّع مستشفى ناصر، فيما ذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أنّ عمليات تجري في مستشفى الأمل، وكلاهما في مدينة خان يونس.
- مقتل 600 جندي -
اندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول، إثر هجوم نفّذته حركة "حماس" على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل 1160 شخصاً معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لـ"وكالة فرانس برس" استناداً إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
وخُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصاً ما زال 130 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
وتعهّدت إسرائيل "القضاء" على "حماس" وهي تشنّ منذ ذلك الحين قصفاً مكثّفاً، وبدأت هجوماً برياً في 27 تشرين الأول، ما أدّى إلى مقتل 32782 شخصاً غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة التابعة لـ"حماس".
والاثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ 600 من جنوده قتلوا منذ اندلاع الحرب، من بينهم 256 على الأقل داخل القطاع منذ بدء العمليات البرية، وفق تعداد لـ"وكالة فرانس برس" استناداً إلى أرقام رسمية.
كذلك، قضى أكثر من نصف الجنود القتلى أثناء هجوم "حماس"، في حين سقط آخرون في الضفة الغربية المحتلة حيث تصاعد التوتر منذ اندلاع الحرب في غزة، أو في شمال إسرائيل حيث يسجّل تبادل يومي للقصف عبر الحدود مع "حزب الله" اللبناني.
وليل الأحد، أعلن جهاز الطوارئ الإسرائيلي أنّ رجلاً طعن ثلاثة أشخاص وأصابهم بجروح في مركز تجاري بالقرب من مدينة أسدود في جنوب إسرائيل.
- ضغوط على نتنياهو -
ميدانياً، تلوّح إسرائيل منذ أسابيع بشنّ عملية برية في مدينة رفح بأقصى جنوب القطاع عند الحدود المغلقة مع مصر، والتي باتت الملاذ الأكثر لأكثر من 1,5 مليون فلسطيني غالبيتهم نزحوا من مناطق أخرى في القطاع.
ويشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على أن هجوم رفح ضروري لتحقيق هدف "القضاء" على "حماس". الا أن هذه العملية المحتملة تثير مخاوف دولية واسعة خشية على مصير المدنيين. وأبدت واشنطن الحليفة لإسرائيل، تحفظات على العملية المحتملة، مؤكدة ضرورة أن تسبقها خطط لإجلاء المدنيين وتأمين سلامتهم.
وأكد مصدر إسرائيلي إن اجتماعاً عبر الفيديو سيُعقد الإثنين لبحث الخطة الإسرائيلية لمهاجمة المدينة مع امكان "عقد اجتماع حضوري في وقت لاحق من هذا الأسبوع"، بعد نحو أسبوع على إلغاء زيارة وفد الى واشنطن للغرض نفسه.
ومع اقتراب الحرب من إتمام شهرها السادس، تتزايد الضغوط في الشارع على نتنياهو الذي خضع الأحد لعملية جراحية "ناجحة" لإزالة فتق، وفق ما أعلن مكتبه.
وفي ليلة ثانية من الاحتجاجات، تظاهر آلاف الإسرائيليين مساء الأحد في القدس للمطالبة باستقالة نتنياهو وتأمين الإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة، في وقت يبدو أن المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق هدنة وتبادل قد وصلت إلى طريق مسدود.
وأغلق المتظاهرون طريقاً سريعاً رئيسياً في المدينة بعدما تجمعوا في وقت سابق أمام مقر الكنيست ملوحين بالأعلام الإسرائيلية. واستخدمت الشرطة خراطيم المياه ضد المتظاهرين لإبعادهم إلى الخلف بينما كانوا يهتفون بأنّ نتنياهو "يجب أن يرحل".
لكن التوصل إلى اتفاق يتضمن إطلاق سراح الرهائن لا يزال بعيد المنال، رغم النداءات الصادرة عن المنظمات الدولية التي تحذر من خطر المجاعة على غالبية سكان قطاع غزة المحاصر البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.
وقال مسؤول في "حماس" لـ"وكالة فرانس برس" الأحد إنّ الحركة لم تتخذ قراراً بعد بشأن إرسال وفد إلى جولة تفاوض جديدة في الدوحة أو القاهرة، مؤكداً أن المواقف بين "حماس" وإسرائيل لا تزال "متباعدة"، قائلا إن الحركة "أبدت مرونة واستعدادا للتوصل لاتفاق".
لكن نتنياهو اتهم "حماس" بأنها "شدّدت" مواقفها. وقال الأحد: "في حين أظهرت إسرائيل مرونة في مواقفها خلال المفاوضات، قامت "حماس" بتشديد مواقفها".
منذ بداية الحرب، تم التوصل إلى هدنة لمدة أسبوع واحد فقط في نهاية تشرين الثاني، أتاحت الإفراج عن حوالى مئة رهينة في مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين.