تبدأ رواندا، الأحد، مراسم إحياء الذكرى الـ30 لإبادة العام 1994، التي نفّذها متطرّفو الهوتو ضد أقلية التوتسي على مدى مئة يوم دام.
قُتل أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل، معظمهم من عرقية التوتسي ولكن أيضا من الهوتو المعتدلين في المجازر التي انقلب فيها أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء على بعضهم بعضا في إحدى فصول التاريخ الأكثر قتامة في أواخر القرن العشرين.
وبعد ثلاثة عقود، أعادت الدولة الصغيرة بناء نفسها في ظل حكم الرئيس بول كاغامي الدكتاتوري، لكن ما زال صدى إرث الإبادة الصادم يتردد في انحاء المنطقة.
وحفاظا على التقاليد، سيتم إحياء السابع من نيسان، يوم أطلق متطرفو الهوتو وميليشيات حملة القتل المروّعة عام 1994، عبر إضاءة كاغامي شعلة إحياء الذكرى في نصب كيغالي التذكاري للإبادة الجماعية حيث يعتقد بأن أكثر من 250 ألفا ضحية تم دفنهم.
وسيلقي كاغامي الذي ساعد جيشه المتمرّد "جبهة رواندا الوطنية" في وقف المجازر، خطابا وسيضع أكاليل الزهور على المقابر الجماعية، فيما تحضر بعض الشخصيات الأجنبية ما أطلق عليه "كويبوكا (إحياء الذكرى) 30".
- "لن يتكرر" -
تؤذن مراسم الأحد ببدء أسبوع الحداد الوطني إذ سيتوقف كل شيء في رواندا وستُنكّس الأعلام.
وخلال تلك الأيام، لن يُسمح بعزف الموسيقى في الأماكن العامة أو على الإذاعة بينما ستُمنع التلفزيونات من بث المناسبات الرياضية والأفلام، ما لم تكن على صلة بمراسم إحياء الذكرى.
ستقام مراسم أيضا في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيرها.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في رسالة لمناسبة الذكرى "هذه السنة، نذكّر أنفسنا بجذور الإبادة المتعفنة: الكراهية".
وأضاف "لأولئك الذين يسعون لتقسيمنا، علينا إيصال رسالة واضحة وقاطعة وعاجلة: لن يتكرر الأمر".
واجه المجتمع الدولي انتقادات شديدة لفشله في حماية المدنيين إذ خفضت الأمم المتحدة عديد قوتها لحفظ السلام بعد فترة قصيرة من اندلاع أعمال العنف.
- إطلاق نار أو ضرب أو طعن حتى الموت -
أثار اغتيال الرئيس المنتمي إلى الهوتو جوفينال هابياريمانا ليل السادس من نيسان عندما أُسقطت طائرته فوق كيغالي موجة غضب في أوساط متطرّفي الهوتو وميليشيا "إنترهاموي".
قتل ضحاياهم بإطلاق النار عليهم أو ضربهم أو طعنهم حتى الموت في عمليات قتل غذّتها الحملة الدعائية المناهضة للتوتسي التي تم بثها على التلفزيون والإذاعة. يقدّر بأن ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة تعرّضت للاغتصاب، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وفرّ مئات آلاف الأشخاص، معظمهم من عرقية الهوتو الذين شعروا بالخوف من الهجمات الانتقامية في أعقاب الإبادة إلى بلدان مجاورة بينها جمهورية الكونغو الديموقراطية.
وما زالت المقابر الجماعية تُكتشف في رواندا حتى اليوم.
عام 2002، أقامت رواندا محاكم أهلية حيث يمكن للضحايا الاستماع إلى "اعترافات" أولئك الذين اضطهدوهم.
وتم الاستماع إلى 1,2 مليون قضية على فترة 10 سنوات، رغم أن المنظمات الحقوقية رأت أن النظام أدى أيضا إلى إجهاض العدالة إذ استخدمه بعض المشتكين لتصفية حسابات.
واليوم، لم تعد بطاقات الهوية الرواندية تذكر إن كان الشخص من الهوتو أو التوتسي.
ويتعلّم طلاب المدارس الثانوية عن الإبادة في إطار منهج دراسي خاضع لرقابة مشددة.
- "ندوب الماضي" -
وُلد حوالى ثلثي سكان رواندا بعد الإبادة. ويسعى كثر للمساعدة على إعادة صياغة تاريخ بلادهم المؤلم ووضع رواية جديدة.
وقالت مديرة المشاريع روكسان مودينج (27 عاما) لفرانس برس "منذ كنت طفلة وقصة رواندا هي قصة إعادة بناء".
وأضافت "ندوب الماضي ما زالت قائمة، لكن هناك طاقة مختلفة الآن، شعور بالإمكانية".
وتفيد السلطات الرواندية بأن مئات المشتبه بهم في الإبادة ما زالوا فارين، بما في ذلك في جمهورية الكونغو الديموقراطية وأوغندا المجاورتين.
وحتى الآن، تم تسليم 28 فقط إلى رواندا على مستوى العالم.
وحاكمت فرنسا، إحدى أبرز الوجهات للروانديين الفارين من العدالة في بلدهم، ودانت نحو خمسة أشخاص على خلفية تورطهم في عمليات القتل.
كانت فرنسا حينذاك من أهم الدول الداعمة لهابياريمانا، ما أدى إلى عقود من التوتر بين البلدين.
وعام 2021، أقر الرئيس إيمانويل ماكرون بدور فرنسا في الإبادة ورفضها الاستجابة إلى التحذيرات من مجازر مقبلة، ما دفع كاغامي للإشادة بالرئيس الفرنسي لقيامه بـ"خطوة كبيرة".
ورغم أن ماكرون لم يذهب إلى حد تقديم الاعتذار ونفى أي تواطؤ لفرنسا في عمليات القتل، قال كاغامي إن من شأن التقارب أن يمهّد لعلاقة "أفضل" بين البلدين.
في المقابل، ترتبط كيغالي بعلاقة عداوة مع كينشاسا إذ اتُّهمت "جبهة رواندا الوطنية" بقتل عشرات آلاف المدنيين أثناء ملاحقتها مرتكبي الإبادة في الكونغو.
واتُّهمت حكومة كاغامي بتسليح متمرّدي "إم23" بقيادة التوتسي في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية. ونفت كيغالي الاتهامات لكنها تفيد بأن التوتسي في جارتها الأكبر هم ضحايا الاضطهاد.