النهار

المجازر تميل إلى التشابه... صحافي أميركي يروي تجربته بين غزة وسراييفو
المصدر: "النهار"
المجازر تميل إلى التشابه... صحافي أميركي يروي تجربته بين غزة وسراييفو
قطاع غزة (أ ف ب)
A+   A-

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً للصحافي الأميركي بيتر ماس، يعرض فيه تجربته في تغطية الحروب وما شاهده من جرائم حرب خلال مسيرته المهنية، ويقارن بينها وبين ما يحصل في غزة اليوم.

بعد التعريف عن ماس، بأنه مؤلف كتاب "Love Thy Neighbor: A Story of War" وقام بتغطية حرب البوسنة لصحيفة "واشنطن بوست"، وغزو العراق لصالح "نيويورك تايمز"، يبدأ بالقول: "كيف يشعر الشخص الذي يغطي جرائم الحرب، وأسرته تموّل دولة ترتكب جرائم حرب؟ يمكنني أن أخبرك".

إنطلاقاً من هنا يوضح الكاتب، أن أسلافه كانوا من أبرز الممولين للهجرة اليهودية إلى فلسطين التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، وكيف أنهم قدموا ملايين الدولارات لهذا الغرض، ولصالح قيام دولة إسرائيل الجديدة.

ومن ثم يقول إنه، عندما تصف المحكمة الدولية أن الحرب في غزة بأنها "حالة معقولة" للإبادة الجماعية، يتصادم تاريخ عائلته مع معرفته بجرائم الحرب. ويتابع "عندما تقصف إسرائيل وتطلق النار على المدنيين، وتحاصر المساعدات الغذائية، وتهاجم المستشفيات، وتقطع إمدادات المياه، أتذكر الانتهاكات نفسها في البوسنة. عندما تم الاعتداء على الناس في طابور للحصول على الطحين في غزة، فكرت في الذين قتلوا في سراييفو أثناء انتظارهم في طابور للحصول على الخبز... المجازر تميل إلى التشابه".

ويعود ماس بالذاكرة عندما كان يغطي الحصار في سراييفو، ويذكر أنه أثناء إقامته في فندق يقع مباشرة على خط المواجهة، كان القناصة الصربيون يطلق النار بانتظام على المدنيين الذين يسيرون تحت نافذة الفندق.

ويروي أنه في يوم من أيام الربيع في عام 1993، سمع صوت الرصاص المعتاد ليرى بعدها مدنياً مصاباً يحاول الزحف نحو الأمان، مستعيداً ما كتبه في "واشنطن بوست" قبل أكثر من ثلاثة عقود عندما وصف صرخات الرجل اليائسة بأنها "صرخة جنونية لشخص تم دفعه فوق الحافة. جاءت من الرئتين، من القلب، من العقل".

ويتابع السرد، ليصل الى مشاهدته فيديو في غزة يظهر الجدة هالة خريس، وهي تحاول مغادرة حي تحاصره القوات الإسرائيلية، وتسير بحذر، ممسكة بيد حفيدها، الذي يبلغ من العمر خمس سنوات ويحمل علماً أبيض... ومن ثمّ تطلق النار وتسقط أرضاً ميتة، ويستطرد من هذه الحادثة للإشارة الى أن بنادق القناصة تحتوي على مناظير عالية الجودة، تمكّن مطلقي النار من رؤية على من يطلقون النار، ليؤكد أن الحادثتين في سراييفو وغزة وقعتا نهاراً وبالتالي لم تكونا عرضيتين.

 

أما عن مزاعم إسرائيل وأنصارها أن ما يحدث في غزة هو استجابة قانونية ومشروعة لهجوم "7 أكتوبر"، يقول إن ذلك لا يمنح إسرائيل حق التصرف كما تشاء. ليس هناك شيء يسمى "العين بالعين" أو "مئة عين لعين واحدة" في القانون الدولي، وأن أحد مبادئ قوانين الحرب هي أن الهجوم الذي يعرّض المدنيين للخطر يجب أن يكون ضرورياً من الناحية العسكرية، ويجب أن تكون أي خسائر بين المدنيين التي تحدث نتيجتها متناسبة مع الفائدة العسكرية.

ويضيف أن ما يعنيه ذلك، بلغة أكثر وضوحاً، هو أنه لا يمكنك قتل العديد من المدنيين من أجل مكسب عسكري طفيف، وبالتأكيد لا يمكنك استهداف المدنيين، كما حدث في قتل هالة خريس والعديد من الفلسطينيين الآخرين. حتى الآن، تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 30،000 شخص في غزة، معظمهم من المدنيين، بما في ذلك أكثر من 13،000 طفل.

ويؤكد كاتب المقال الذي جاء تحت عنوان "أنا يهودي، وقمت بتغطية الحروب، وأعرف جرائم الحرب عندما أراها"، أن ضحايا الإبادة الجماعية، كما كان اليهود في الهولوكوست، ليس لديهم حق تنفيذ واحدة. بالطبع، وينبغي أن تكون محكمة جرائم الحرب هي الحكم على ما إذا كانت أفعال إسرائيل في غزة تستوفي شروط الإبادة الجماعية، لكن يبدو أن هناك أدلة كافية للتوجيهات الجنائية لأن التعريف القانوني للإبادة الجماعية هو "الأفعال التي ارتكبت بقصد تدمير، كلياً أو جزئياً، مجموعة وطنية أو عرقية أو دينية". الكلمات الرئيسية هي "جزئياً". ليس هناك حاجة إلى مستويات قتل مشابهة للهولوكوست للوصول إلى المعيار القانوني.

ومن هذا المنطلق، يرى ماس أنه يضع كل الأميركيين، ليس فقط اليهود الأميركيين، في موقف محرج. فالحكومة الأميركية هي المؤيد الرئيسي لإسرائيل، بفضل القنابل والأسلحة الأخرى التي ما زالت تقدّم للحكومة المتطرفة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ما يعني أن الجميع متورط.

وعن التورط هذا، يستعرض الكاتب أنه في بدايات القرن العشرين كانت هناك معارضة من يهود أميركيين لإقامة دولة إسرائيل خوفاً من أنه سيؤدي الى العنف ويعزّز الاتهامات بأن اليهود ليسوا مخلصين لأميركا.

 
ويستكمل قراءاته التاريخية ليشير الى أن الاستيطان في فلسطين تسارعت وتيرته، ليصل الى تظاهرة جرت مؤخراً قرب منزل السيناتور تشارلز شومر، زعيم الأغلبية عن الحزب الديموقراطي، حين رفعت لافتات تقول "أبعد يديك عن رفح. أوقف الإبادة الجماعية"، و"وقف إطلاق النار الآن. دعوا غزة تعيش".
ويشير الى امرأة كانت ترتدي الكفيّة، تحمل لافتة كتبت عليها: "ممرضة يهودية ضد الاحتلال"، وأنها كانت تحتج ليس فقط على قتل المدنيين ولكن على الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية لعقود، وهو المشكلة الأساسية.

ويشرح ماس في ختام مقاله بأن هؤلاء المحتجين هم جزء من حركة تضم يهوداً يرتدون قمصاناً تقول "ليس باسمنا"، وأن أصواتهم القوية تقوّض الحجج بأن جميع الاحتجاجات ضد العنف الإسرائيلي هي معادية للسامية، بل هم يساعدون في تشريع المعارضة العالمية لما يجري في غزة.

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium