تعهّد الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، اليوم، بإجراء "إصلاحات" بعد انتخابات كارثية للحزب الحاكم عززت هيمنة المعارضة على البرلمان.
وذكرت وسائل إعلام محلية أنّ زعيم حزب "قوّة الشعب" الحاكم هان دونغ هون قد تقدَّم باستقالته، بينما عرض رئيس الوزراء هان داك سو ومجموعة من كبار مساعدي الرئيس التنحي أيضاً.
وتُمهّد نتيجة الانتخابات البرلمانية الطريق أمام جمود تشريعي خلال السنوات الثلاث المتبقية التي سيتحول فيها الرئيس يون إلى "بطة عرجاء"، بينما تواجه البلاد تحديات تشمل تراجع الاقتصاد والعدوانية المتزايدة لكوريا الشمالية.
وقال يون: "سأحترم بكل تواضع إرادة الشعب التي تم التعبير عنها في الانتخابات العامة وأقوم بإصلاح شؤون الدولة وبذل قصارى جهدي لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد ومعيشة الناس"، وفق ما نقل عنه رئيس مكتبه لي كوان في لقاء مع الصحافة.
وأظهرت النتائج النهائية تقريباً لانتخابات الأربعاء تراجع مقاعد حزب "قوّة الشعب" المحافظ الحاكم الذي يتزعّمه يون مع حلفائه من 114 إلى 108 مقاعد فقط في البرلمان، وفقاً لأرقام لجنة الانتخابات الوطنية.
والرابح الأكبر كان الحزب الديموقراطي المعارض الذي يتزعمه لي جاي ميونغ، اذ حصد مع حزب حليف 174 مقعداً مقارنة بـ156 في المجلس المنتهية ولايته.
واستغلّ حزب "إعادة بناء كوريا" الذي تأسّس حديثاً بقيادة وزير العدل السابق تشو كوك الاستياء من الحزبين الرئيسيين للحصول على 12 مقعداً.
ومع ذلك، لم تتمكّن المعارضة من تحقيق الفوز الساحق الذي أشارت إليه استطلاعات الرأي، حيث فشلت جميع أحزاب المعارضة مجتمعة في الحصول على الغالبية العظمى البالغة 200 مقعد في الجمعية الوطنية المكونة من 300 مقعد.
وتستخدم كوريا الجنوبية نظاما هجينا بين صوت واحد لمرشح واحد والقوائم النسبية، ولديها مجلس تشريعي واحد. ولا يحقّ للرئيس أكثر من ولاية من خمس سنوات.
"الشعب انتصر"
ويرى المحلل السياسي يوم سيونغ يول أنّ "نتائج اليوم تظهر غضب الناس الشديد إزاء يون بسبب عامين من حكمه".
وأضاف لوكالة "فرانس برس": "ماذا لو لم يتغيّر، حتى مع هذه النتيجة الواضحة في الانتخابات؟ أعتقد أن غضب الشعب سيزداد، وهذا ما يُثير قلقي".
فاز يون بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في العام 2022 أمام منافسه لي، واتبع سياسة حازمة تجاه كوريا الشمالية مع تعزيز تحالف بلاده مع الولايات المتحدة والتقرّب من اليابان، القوّة الاستعمارية السابقة والتي تكثر الخلافات التاريخية معها.
وعرقل عدم فوز حزبه بغالبية برلمانية تنفيذ مشروعه السياسي اليميني، ومنذ بداية ولايته، لم تُسجّل شعبية الرئيس أي ارتفاع وهي تقارب على الدوام 30 في المئة.
والآن، بات بوسع لي جاي ميونغ الذي يواجه تحقيقات بالفساد يعتبر أن دوافعها سياسية، أن يستمتع برد اعتباره بعد حملة انتخابية شديدة الاستقطاب وتمحورت حول استياء الناخبين.
ونتيجة الانتخابات تضعه في وضع جيد لخوض الانتخابات الرئاسية مجدّداً في 2027، وهذا ما ينوي فعله باعتقاد الجميع.
ونقلت وسائل إعلام محلية عنه قوله بعد التصويت "سأرى اختيار الشعب بقلب متواضع".
في الجمعية الوطنية بسيول حيث تجمع النواب ومسؤولون آخرون الأربعاء ليلة الانتخابات، ساد الحزن بين صفوف حزب "قوة الشعب" ودوى التصفيق وصيحات الفرح من جانب الديموقراطيين.
وصبّت التركيبة السكانية في صالح يون. فقد غلب عدد الناخبين الذين تزيد أعمارهم عن ستين عاماً ويعرف بأنهم أكثر محافظة، على الذين هم في العشرينات أو الثلاثينات من أعمارهم.
وأعرب الأخيرون عن شعورهم بالخيبة البالغة من الطبقة السياسية التي يهيمن عليها المسنون متجاهلين مخاوفهم مثل تكلفة السكن أو تراجع فرص العمل.
ويعتقد الكثيرون أنّ هذا الخلل برز بشكل صارخ خلال التدافع المميت الذي شهدته سيول أثناء الاحتفالات بعيد هالوين في تشرين الأول 2022 والذي خلف أكثر من 150 قتيلاً، معظمهم من الشباب. وحُمّلت مسؤولية المأساة حينها إلى إهمال السلطات.
"السجن والعقاب"
واعتبر كيم يونغ هو (24 عاماً)، وهو مالك شركة، لدى خروجه من مركز اقتراع في منطقة غوانغجين في سيول أن "الناس من حولي أقل اهتماماً بهذه الانتخابات مقارنة بالمرة السابقة وأعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى شعورهم بخيبة أمل نوعاً ما".
يرى محلّلون أنّ الحملة الانتخابية تمحورت حول تأجيج استياء الناخبين أكثر من اقتراح سياسات كبرى. ووعد حزب "قوّة الشعب" بـ"سجن" لي وتشو في حين تعهد "الحزب الديموقراطي" بـ"معاقبة" الرئيس على ما وصفه بسوء الإدارة.
كما أدّى إلى ابتعاد الناخبين خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على الإنترنت، والتي يخشى الخبراء من أنها قد تؤدي إلى المزيد من الاعتداءات الجسدية مثل تلك التي تعرض لها لي في كانون الثاني.
وقالت كيم دو كيونغ (47 عاماً)، وهي ناشطة في مجال الدفاع عن النساء المهاجرات وأطفالهنَّ: "إنّني أشعر بالخجل حقّاً من سياسة وحكومة بلادنا".