هل ستردّ إسرائيل على إيران أم ستتراجع؟ أميركا تحثّ على ضبط النفس، بعد القصف الإيرانيّ الكبير وغير المجدي لإسرائيل.
تحت هذا العنوان عرضت مجلة "ذي إيكونوميست" لمجريات ليلة 13 نيسان والقصف الإيراني لإسرائيل، وقالت في تحقيق من مراسليها في واشنطن والقدس إنّ الرئيس الأميركي جو بايدن أكّد أنّ إسرائيل "أظهرت قدرة رائعة على الدفاع ضدّ الهجمات غير المسبوقة وهزيمتها".
وتتابع، "وراء تحيّاته تكمن رغبة أميركا في تجنّب الانتقام الإسرائيليّ الذي قد يؤدّي إلى تصعيد إقليميّ مرعب، وجرّ العم سام الى أعماق الشرق الأوسط". ولكن بعد المواجهة بين الدولتين والقوّتين العسكريتين الرئيسيّتين في المنطقة، قد لا تكون الأمور بهذه البساطة.
وأن إسرائيل تشعر بالقلق من أنّ "قوّتها الرادعة قد تلقّت ضربة، وقد تشعر بأنّها مضطرّة للردّ، بطريقة مثالية دون إبعاد مجموعة الدول العربية والغربية التي ساعدت في الدفاع عنها".
وهنا تقول "الإيكونوميست"، سواء أشئنا أم أبينا فإنّ هذا الهجوم يُعيد رسم قواعد الردع في المنطقة ويُظهر كيف سيكون لأميركا دور حيويّ في أيّ جهد إقليميّ لاحتواء إيران.
وبعد ستة أشهر مرهقة من الحرب في غزّة، أصبحت الرغبة المباشرة لدى أغلب الأطراف تجنّب حرب إقليمية شاملة. وبالفعل أبلغت الولايات المتحدة إسرائيل، أنّها لن تنضمّ إلى أيّ هجوم تشنّه إسرائيل على إيران. خصوصاً وأنّ المستثمرين يخشون من أن يؤدّي المزيد من القتال إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط.
وفي الوقت عينه، حذّرت إيران من ردّ فعل "أشدّ بكثير" إذا قامت إسرائيل وقالت: "يجب على الولايات المتّحدة أن تبقى بعيدة".
كاتبا المقال عادا بالذاكرة إلى عام 1991 عندما أطلق العراق عشرات الصواريخ من طراز سكود باتجاه إسرائيل، ويشيران إلى أنّه "على نحو غير عاديّ، لم ينتقم رئيس الوزراء (آنذاك) إسحق شامير، إذ خضع للضغوط الأميركية". وأنّ هذه الضربات التي أطلقها صدام حسين لم تكن دقيقة، بل كانت "بمثابة استفزاز يهدف إلى جرّ إسرائيل إلى الحرب وتقويض الدعم العربي للتحالف الأميركيّ".
ومن هنا يعود الكاتبان إلى الواقع الحاليّ، ويعتبران أنّ هذه المسألة مألوفة بالنسبة إلى رئيس الوزراء الحاليّ بنيامين نتنياهو، الذي كان نائباً لوزير الخارجية في حكومة شامير التي يقودها الليكود، والذي اشتهر بإجرائه مقابلة تلفزيونية وهو يرتدي قناع غاز في عام 1991.
ويستطرد كاتبا المقال، بالقول إنّ المقارنة لا تذهب إلّا إلى أبعد من ذلك. وخلافاً للعراق، فإنّ إيران ليست في حالة حرب مع جيش حليف. إنّ الضربات الإيرانيّة المباشرة بالطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل هي تتويج لحرب شبه سرّية استمرّت لعقود من الزمن، وتحوّلت إلى علنيّة بشكل خطير". وأنّ التهديد الصاروخيّ الإيرانيّ أكبر بكثير، "إذ تمتلك إيران وحلفاؤها الآن مئات الآلاف من الصواريخ والقذائف الصاروخية من مختلف الأنواع".
إنّما استراتيجية نتنياهو "تتلوّن بجهوده اليائسة للبقاء في السلطة في مواجهة عدم الشعبية على نطاق واسع"، فقد دفع شركاؤه في الائتلاف اليمينيّ المتطرّف إلى شنّ حرب طويلة الأمد لتدمير حماس في غزّة، ويطالبونه الآن باتّخاذ إجراءات ضدّ إيران ولبنان.
لكنّ الأهداف المحتملة في إيران مختلفة، فهي قد تشمل مواقع تخصيب اليورانيوم والمنشآت النووية الأخرى، إلى جانب قواعد الحرس الثوريّ ومصانع الطائرات بدون طيّار والصواريخ.
ويشير المقال إلى كيفيّة عزل إسرائيل نفسها في قطاع غزة، وأنّ "الهجمات الإيرانية أظهرت اعتماد أمن إسرائيل الواسع على دول أخرى أقلّ رغبة في التصعيد". وأنّه عندما يتعلّق الأمر بمهاجمة إيران، فإنّ إسرائيل تمتلك الطائرات وناقلات التزوّد بالوقود المطلوبة، ناهيك عن الطائرات بدون طيار والصواريخ والغواصات، وكلّما زادت المساعدة التي تحصل عليها من الولايات المتحدة، كلّما زادت قوّة الضربة التي يمكن أن توجّهها.
ويعطي الكاتبان مثالاً على ذلك، بأنّه من الأفضل أن يتمّ دعم الطائرات الإسرائيلية بقدرات البحث والإنقاذ الأميركية لمساعدة أيّ طيّار يتمّ إسقاطه.
وبالتالي، يتعيّن على نتنياهو أن "يقيس مدى الضغط الذي يمكن أن يفرضه على الولايات المتّحدة، الحامية الحيوية لإسرائيل، وهو يعلم أنّ شامير خسر الانتخابات عام 1992، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى تدهور العلاقات مع أميركا بسبب بناء المستوطنات".
ومع أنّ الضربات الإيرانية أدّت، حتّى الآن، إلى رأب الصدع بين بايدن ونتنياهو، اللذين كانا على خلاف بشأن سلوك إسرائيل في الحرب في غزّة. "لكنّ الانتقام الكبير من شأنه أن يعرّض ذلك للخطر".
هذا بالإضافة إلى أنّ الدول العربية لا ترغب في التورّط في حرب بين إيران التي تخشاها، وإسرائيل التي لا تستطيع دعمها علناً. كما رفض رئيس الوزراء البريطانيّ، ريشي سوناك، الانتقام، وقال: "لا أحد يريد رؤية المزيد من إراقة الدماء".
كلّ هذا يشير إلى أنّ إسرائيل تتعرّض لضغوط هائلة من بايدن وآخرين لإظهار ضبط النفس، لكن بحسب "الإيكونوميست"، حتّى لو لم تردّ إسرائيل على ذلك، فإنّ مشكلة أميركا الإيرانية التي طال أمدها عادت بقوّة قبيل الانتخابات الرئاسية في تشرين المقبل. وعلى الرغم من مطالبتهم باتخاذ إجراءات صارمة، فإنّ "القليل من الجمهوريين يستمتعون باحتمال الانجرار إلى الحرب ضدّ إيران".
ومع ذلك، قد يتم دفع بايدن للعودة إلى شيء أقرب إلى سياسة ترامب المتمثلة في "أقصى قدر من الضغط" ضد إيران، بما في ذلك فرض حظر أكثر صرامة عليها، وهذا قد يكون أكثر صعوبة مما كان عليه في الماضي، مع عدم رغبة الصين وروسيا في فرض العقوبات.
كما أن بايدن لا يريد تقويض الاحتمال الصعب بالفعل المتمثل في محاولة تأمين وقف إطلاق نار قصير الأمد في غزة، وتبادل الرهائن والسجناء، والبدء بعملية سياسية من شأنها أن تقترن باتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، مع إحراز تقدم على خط الدولة الفلسطينية.
وتختم المجلة البريطانية مقالها، بالإشارة الى أنه في عام 1991 كانت الولايات المتحدة في أوج قوتها بعد نهاية الحرب الباردة. وعلى النقيض من ذلك، حاول بايدن تخليص بلاده من مشاكل الشرق الأوسط، لكنه وجد ذلك مستحيلا، وهناك نمط قديم، واضح في عام 1991، يعود إلى الظهور من جديد: "عندما تقاتل إسرائيل ضد الفلسطينيين عديمي الجنسية، ينقسم أصدقاء إسرائيل؛ وعندما تتعرض لهجوم من قبل دول متطرفة مثل العراق وإيران، فإنها تتجمع خلفها".
لكن بايدن يدرك الدرس الآخر المستفاد من عام 1991: "كلما زاد عدد القوى الخارجية التي تواجه أعداء إسرائيل، زاد احتمال أن تمارس إسرائيل ضبط النفس".