دعا المجتمع الدوليّ خلال مؤتمر دوليّ حول السودان، إلى تنسيق الوساطات المختلفة لإنهاء النزاع الدامي. الاجتماع عُقد اليوم الاثنين في باريس في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب التي تحوّلت "أزمة منسيّة" ذات عواقب إنسانية كارثية ومخاطر جيوسياسية كبيرة.
وطالب المجتمعون "كلّ الأطراف الأجنبية" بوقف تقديم الدعم المسلّح لطرفَي النزاع المستمرّ منذ عام في الدولة الأفريقية. وتعهّدوا بتقديم مساعدات إنسانية تزيد على مليارَي يورو لدعم المدنيين في الدولة الأفريقية التي تشهد نزاعاً دامياً منذ عام، على ما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقال ماكرون "يمكن أن نعلن أنّه سيتمّ في المجمل تعبئة أكثر من مليارَي يورو"، لافتاً إلى أنّ الالتزامات التي سُجّلت قبل المؤتمر الاثنين، بلغت 190 مليون يورو فقط. وستساهم دول الاتّحاد الأوروبيّ في 900 مليون يورو من التعهّدات الإجمالية التي تبلغ حصّة فرنسا فيها 110 ملايين.
ودعت 14 دولة بينها ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة والسعودية وجيبوتي وتشاد ومنظمات دولية مثل الأمم المتحدة وهيئة التنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) "كلّ الأطراف الإقليمية والدولية إلى تقديم الدعم بدون تحفّظ لمبادرة سلام موحّدة لصالح السودان".
من جهته قال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه "منذ عام، يجد السودانيّون أنفسهم ضحايا حرب رهيبة لا تترك إلّا الفوضى والمعاناة". وأضاف "السودانيون هم أيضاً ضحايا النسيان واللامبالاة".
وتابع "هذا هدف اجتماعاتنا اليوم: كسر جدار الصمت المحيط بهذه الحرب ودفع المجتمع الدوليّ إلى التحرّك".
وتضمّن اجتماع باريس شقّاً سياسياً على المستوى الوزاريّ لمحاولة إيجاد مخارج للنزاع، وشقّاً إنسانيّاً هدفه تعبئة التبرّعات وتقديم معونة ضخمة لهذا البلد المدمّر في القرن الأفريقي. كما يضمّ اجتماعاً لنحو 40 شخصية من المجتمع المدني.
ومنذ افتتاح الاجتماع الذي ترأّسته فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، أعلن جمع أكثر من 840 مليون يورو، 110 ملايين من باريس و244 من برلين و350 من بروكسل و138 من واشنطن.
من جهتها، قالت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك إنّ هذا المؤتمر يُعقد فيما اهتمام العالم منصبّ على الوضع في الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل مساء السبت.
وأشارت إلى أنّ المجتمع الدولي يجب ألّا يصرف نظره عن الحرب في السودان التي تسبّبت في أزمة إنسانية كارثية، متحدّثة عن "المعاناة التي لا توصف" للسودانيين ضحايا حرب "جنرالين عديمي الرحمة" وشعورهم بأنّ العالم تخلّى عنهم.
وأضافت أنّ مبادرات الوساطة المتعدّدة لم تثمر، داعية المجتمع الدوليّ إلى "العمل بشكل منسّق لجلب الطرفين المتحاربين إلى طاولة المفاوضات والتوصّل إلى وقف لإطلاق النار".
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أشار إلى انّه من خلال "الضغط الدوليّ" فقط يمكن دفع الطرفين المتحاربين إلى التفاوض.
أمّا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فاعتبر أنّ الهجمات العشوائية على المدنيين في السودان يمكن أن تشكّل "جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية".
وصرّح غوتيريش للصحافيّين "إنّها أكثر من حرب بين طرفين خصمين. إنّها حرب على الشعب السودانيّ، الهجمات العشوائيّة التي تقتل وتصيب وترهب المدنيين يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية".
ودعا وزير الخارجية التشادي محمّد صالح النظيف كذلك إلى "ممارسة ضغط إلى جانب التمويل من أجل التوصّل إلى وقف فوريّ لإطلاق النار لأنّه إذا استمررنا على هذا النحو، فإنّ السودان معرّض للتفكّك خلال عام".
وتستضيف باريس المؤتمر الدولي من أجل السودان بعد مرور عام بالضبط على بدء الحرب بين الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
وخلال عام واحد، أدّت الحرب في السودان إلى سقوط آلاف القتلى بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في إحدى مدن غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.
كما دفعت الحرب البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، ودمّرت البنى التحتية المتهالكة أصلاً، وتسبّبت بتشريد أكثر من 8,5 ملايين شخص بحسب الأمم المتحدة.
أكبر أزمة غذائيّة على الإطلاق
حذّرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين الاثنين على هامش المؤتمر في باريس من أنّ الأزمة الغذائية التي يمرّ بها قد تكون "الأكبر من نوعها على الإطلاق".
وقالت ماكين في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" إنّ الوضع في السودان "شبه كارثي"، مضيفة "حتى لو أعلنّا حالة المجاعة، سيكون قد فات الأوان".
بدوره، أكّد مدير السودان في المجلس النروجي للاجئين وليام كارتر أنّ "المدنيين يعانون الجوع، العنف الجنسي الهائل، المجازر العرقية على نطاق واسع، والاعدامات ورغم ذلك، يواصل العالم الإشاحة بنظره".
وحذّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان فولكر تورك من مزيد من التصعيد للعنف مع قيام المتحاربين بتسليح المدنيين وانضمام المزيد من الجماعات المسلحة إلى القتال.
وقال "إنّ تجنيد واستخدام الأطفال من قبل أطراف النزاع يشكل أيضاً مصدر قلق كبير".
وشدّد وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف الاثنين على "ضرورة فتح ممرّات إنسانية يجب أن يقبلها الطرفان تحت رعاية الأمم المتحدة، مشيراً إلى أنّ "هذه الممرات يجب أن يتمّ تأمينها بواسطة وحدات خفيفة تابعة للأمم المتحدة بالتنسيق مع دول المنطقة".
وأوضحت الخارجية الفرنسية أنّ "تمويل النداء الإنساني للأمم المتحدة في العام الماضي لم يبلغ سوى النصف. هذا العام، لم تتخطّ نسبة التمويل الخمسة في المئة"، مؤكّدة أنّها لا تتوقّع سدّ هذا العجز خلال مؤتمر باريس "لكن نأمل في أن يستيقظ المجتمع الدولي".
مع الإشارة إلى أنّ نحو 25 مليون شخص في السودان يحتاج، إلى المساعدة، أي نحو نصف عدد السكان. حذّر رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود جين ستويل في بيان من "فراغ إنسانيّ يثير القلق للغاية".
وحضّت مديرة القرن الأفريقي في منظمة هيومن رايتس ووتش ليتيسا بدر على صدور "رسالة صارمة" وعقوبات دولية ضدّ طرفي الحرب اللذين "حالا دون وصول المساعدات الإنسانية" وقاما بنهب ما وصل منها، وخطّطا لعمليات "قتل العاملين الإنسانيين"، إضافة الى سلسلة من الانتهاكات في حقّ المدنيين.
وشدّدت على أنّه "من الضروري أن يعقد هذا المؤتمر، لكنّه يجب ألّا يصبح ذريعة... لنسيان السودان مرّة جديدة".
وأعلنت المملكة المتحدة الاثنين عقوبات جديدة تستهدف شركات تدعم الطرفَين المتحاربَين.