شنّت إسرائيل غارات جوية جديدة الخميس على قطاع غزة، في وقت لا يزال الهجوم الإيراني غير المسبوق على إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي، يثير توترات ومخاوف من ردّ إسرائيلي، ترافقها دعوات للتهدئة.
وبعدما تقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا دولاً حليفة لإسرائيل في صدّ الهجوم الإيراني، أعلنت واشنطن ولندن الخميس فرض عقوبات على إيران تطال مصنّعي مسيّرات، بينما أكد الرئيس الأميركي جو بايدن عزم بلاده على محاسبة طهران. كما يعتزم الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على طهران، ومثله مجموعة الدول السبع.
من جهتها، كررت طهران الخميس التحذير من أنها ستردّ على أي هجوم إسرائيلي، خصوصا بحال استهدف منشآتها النووية.
وتطال العقوبات الأميركية والبريطانية الجديدة "برنامج المسيّرات الإيراني وصناعة الصلب ومصنعي السيارات"، حسبما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية.
وتستهدف عقوبات واشنطن "16 شخصا وكيانين يعملون على إنتاج طائرات إيرانية بدون طيار" منها "شاهد" التي "تم استخدامها خلال هجوم 13نيسان/أبريل"، بينما تشمل عقوبات لندن "العديد من المنظمات العسكرية الايرانية والأفراد والكيانات المنخرطة في صناعة المسيرات والصواريخ البالستية الإيرانية".
وأعلن بايدن أنّ واشنطن ستواصل "محاسبة" طهران، مؤكدا في بيان أن العقوبات هدفها "الحد من برامج إيران العسكرية المزعزعة للاستقرار".
وكان رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أعلن ليل الأربعاء أن التكتل قرّر فرض عقوبات جديدة تستهدف شركات تنتج طائرات مسيّرة وصواريخ. وقال في ختام قمّة في بروكسل شارك فيها قادة الدول الأعضاء "لقد قرّرنا فرض عقوبات على إيران، وأردنا أن نبعث برسالة واضحة" الى طهران بعد هجومها على إسرائيل.
وتعاني الجمهورية الإسلامية من العقوبات الغربية منذ عقود على خلفية قضايا شتى مثل البرنامج النووي والصاروخي وقضايا حقوق الإنسان.
وهي كررت الخميس التحذير من أنها ستردّ على أي استهداف إسرائيلي.
وقال العميد أحمد حق طلب، قائد وحدة حماية وأمن المراكز النووية في الحرس الثوري، إنه "في حال أراد الكيان الصهيوني اتخاذ اجراء ضد مراكزنا ومنشآتنا النووية، فإنه سيواجه حتما وبالتأكيد بردة فعلنا. وللرد بالمثل فإن المراكز النووية للكيان ستتعرض للهجوم والعمليات بالأسلحة المتطورة"، وفق ما نقلت وكالة "إرنا" الرسمية.
وتثير التهديدات المتبادلة مخاوف من تصعيد واسع النطاق في الشرق الأوسط بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.
وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام مجلس الأمن الدولي الخميس من أنّ المنطقة "على شفير" الانزلاق إلى "نزاع إقليمي شامل"، داعياً إلى أقصى درجات ضبط النفس في "لحظة الخطر القصوى هذه".
وقال غوتيريش "في غزة، أدّت ستة أشهر ونصف من العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى خلق جحيم" على الصعيد الإنساني، مؤكّداً أنّ مليوني فلسطيني يعانون في القطاع المدمّر من "الموت والدمار والحرمان من المساعدات الإنسانية الحيوية" والجوع.
"سُحقت آمالنا"
يأتي ذلك فيما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في القطاع، والتي بدأت رداً على الهجوم الذي شنّته حركة حماس على أراضيها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر وأسفر عن مقتل 1170 شخصاً غالبيتهم من المدنيين، وفقاً لتعداد أجرته وكالة فرانس برس استناداً إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
وخُطف أكثر من 250 شخصاً ما زال 129 منهم محتجزين في غزة، توفي 34 منهم وفقاً لمسؤولين إسرائيليين.
وأفاد شهود عن غارات كثيفة استهدف قطاع غزة ليل الأربعاء الخميس، حيث قُتل 33970 شخصا خلال أكثر من ستة أشهر من الحرب، معظمهم من المدنيين، وفقاً لوزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الخميس أنّه ضرب عشرات "الأهداف" في القطاع خلال الساعات الـ24 الماضية، بما في ذلك "إرهابيون ونقاط مراقبة ومنشآت عسكرية".
واستهدفت الغارات خصوصاً مدينة غزة ومدينتي خان يونس ورفح الواقعتين في الجنوب، وفقاً للدفاع المدني.
وقال المصدر ذاته إنّه "تمّ العثور على جثامين ثمانية أشخاص من عائلة عياد، بينهم خمسة أطفال وامرأتان، بعد قصف مزرعتهم في حي السلام" في رفح.
وبعد القصف الذي طال رفح حيث يتكدّس 1,5 مليون نازح جراء الحرب، قالت جملات رمضان لوكالة فرانس برس "استيقظت على صوت البنات يصرخن +ماما، ماما+... ركضت ووجدت الأطفال يركضون... وكانت الجثث متناثرة في كلّ مكان".
كذلك، طال القصف منطقة المواصي (جنوب) التي تحوّلت إلى مخيّم يضمّ آلاف الخيم التي تؤوي نازحين.
وقال شمس مجيد (22 عاماً) وهو أحد النازحين "تمّ تجريف أرضنا، دُمّر منزلنا... وذكرياتنا دُفنت تحت الأنقاض. سُحقت آمالنا وأحلامنا".
في هذه الأثناء، يستمرّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في تأكيد نيته شنّ هجوم برّي على رفح الواقعة على الحدود مع مصر، والتي يقدّمها على أنّها آخر معقل رئيسي لحركة حماس في القطاع.
ويثير ذلك قلقا دوليا خصوصا لجهة مصير أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني في رفح، وفق الأمم المتحدة.
"رسائل" إيرانية لواشنطن
وخلال الأيام الماضية، طغى التوتر المتجدد بين البلدين العدوين إسرائيل وإيران على يوميات حرب غزة، وأثار القلق من تصعيد إضافي في المنطقة.
وشنّت إيران ليل السبت الأحد هجوما غير مسبوق ضد إسرائيل، ردّاً على قصف دمّر قنصليتها في دمشق في 1 نيسان/أبريل.
وفي حين أكدت إسرائيل أنّ "إيران لن تفلت من العقاب"، لم يتضح ما قد يكون عليه ردّها، وما اذا كان سيطال الأراضي الإيرانية مباشرة، أو يستهدف مصالح طهران أو فصائل حليفة لها في بلدان مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن.
غير أنّ قناة "كان" التلفزيونية العمومية الإسرائيلية أفادت بأنّ نتانياهو قرّر، إثر محادثة مع بايدن، عدم تنفيذ الخطط التي اعتُمدت مسبقاً لتوجيه ضربات انتقامية إلى طهران.
ونقلت عن مسؤول كبير قوله "الحساسيات الدبلوماسية لعبت دوراً (...) سيكون هناك حتماً ردّ لكنّه سيكون مختلفاً عمّا كان مخطّطاً له في البداية".
من جانبها، قالت شبكة "إيه بي سي" الأميركية إنّ الحكومة الإسرائيلية فكرت في مناسبتين في توجيه ضربات ضدّ إيران لكن دون أن تُصدر أمراً بذلك.
على الجانب الإيراني، صرّح وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان بأنّ بلاده بعثت "رسائل" عدّة إلى الولايات المتحدة للتأكيد أنّها "لا تسعى إلى توسيع التوترات" في الشرق الأوسط، حسبما أفادت وزارته الخميس.
ويتواجد أمير عبداللهيان في نيويورك لحضور اجتماعات للأمم المتحدة.
"قبل فوات الأوان"
ومنذ شنّ الهجوم الايراني، أكدت واشنطن، الحليف الأكبر لإسرائيل، أنّها لن تشارك في أي ردّ انتقامي على طهران، ودعت إلى وقف التصعيد، كما فعل عدد من الزعماء الغربيين والعرب.
وإضافة الى العقوبات الأميركية والبريطانية، يتوقع أن تدعو دول مجموعة السبع خلال اجتماعها في كابري في إيطاليا، إلى فرض عقوبات على المشاركين في سلسلة توريد الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية، وفقاً لمصدر في وزارة الخارجية الإيطالية.
ورحّب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بهذه الخطوة، مؤكداً عبر منصة "إكس" أنّه "يجب إيقاف إيران الآن قبل فوات الأوان".
وبعد أكثر من ستة أشهر من الحرب، تحوّل القطاع إلى أنقاض حيث يعاني 2,4 مليون نسمة محاصرون فيه من الجوع جراء نقص المياه والغذاء والأدوية وغيرها من الإمدادات الحيوية، فيما لا يدخله سوى كميات قليلة من المساعدات عبر معابر تسيطر عليها إسرائيل.
إلى ذلك، أفاد عدد من الدبلوماسيين بأنّ تصويتاً في مجلس الأمن على منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من المقرّر أن يجري الخميس أو الجمعة. لكنّ يبدو أنّ مشروع القرار الذي تمّ تقديمه بمبادرة من الجزائر، محكوم بالفشل بسبب معارضة واشنطن التي تتمتّع بحق النقض (الفيتو).