بعد أيام من الضربة الإسرائيلية التي وُصِفت بـ"الدقيقة والمحدودة" على إيران، وما سادها من غموض وتضارب في الراوية الإيرانية الرسمية وتلك الصادرة عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم، معطيات جديدة حول هذا الهجوم، موضحة بأن خططاً إسرائيلية عديدة كانت تُحضّر سابقاً ضدّ إيران وعاصمتها طهران.
ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين كبار معلومات تُفيد بأنّ "إسرائيل تخلّت عن خططها لشنّ هجوم مضادّ أكثر شمولاً على إيران بعد ضغوط ديبلوماسية منسّقة من الولايات المتحدة وحلفاء أجانب آخرين، ولأنّ وطأة الهجوم الإيراني على إسرائيل قد تمّ إحباطها".
ووصف المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، المناقشات بـ"الحسّاسة"، وأشاروا إلى إنّ "القادة الإسرائيليين ناقشوا في الأصل قصف عدة أهداف عسكرية في جميع أنحاء إيران الأسبوع الماضي، بما فيها أهداف بالقرب من العاصمة الإيرانية طهران"، ردّاً على الهجوم الإيراني في 13 نيسان".
وتضيف الصحيفة أنّه "كان من الصعب للغاية على إيران التغاضي عن مثل هكذا هجوم واسع ومدمّر، مما يزيد من فرص شنّ هجوم إيراني مضادّ وقوي كان من الممكن أن يضع الشرق الأوسط على حافة صراع إقليمي كبير".
وقد نجح الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى جانب وزيرَي الخارجية البريطاني والألماني، في حضّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على منع نشوب حرب أوسع نطاقاً، مما دفع "إسرائيل إلى توجيه ضربة محدودة يوم الجمعة تجنّبت أضراراً كبيرة، ممّا قلّل من احتمال التصعيد في الوقت الراهن"، بحسب تصريح المسؤولين الإسرائيليين للصحيفة.
ومع ذلك، فمن وجهة نظر المسؤولين الإسرائيليين، أظهر الهجوم على إيران مدى اتساع وتطوّر الترسانة العسكرية الإسرائيلية.
إذ تكشف "نيويورك تايمز" في معلوماتها عن أنّه "بدلاً من إرسال طائرات مقاتلة إلى المجال الجوي الإيراني، أطلقت إسرائيل عدداً صغيراً من الصواريخ من طائرات متمركزة على بُعد مئات الأميال غربها يوم الجمعة"، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين واثنين من كبار المسؤولين الغربيين المطّلعين على الهجوم.
كما أرسلت إسرائيل أيضاً "طائرات هجومية صغيرة من دون طيار، تُعرَف باسم المروحيّات الرباعيّة، لإرباك الدفاعات الجوية الإيرانية"، بحسب المسؤولين الإسرائيليين.
وقال المسؤولون إنّ "صاروخاً أصاب بطارية مضادّة للطائرات في جزء مهم استراتيجياً بوسط إيران، بينما انفجر صاروخ آخر في الجوّ". وقال مسؤول إسرائيليّ إنّ "القوات الجوية الإسرائيلية دمّرت الصاروخ الثاني عمداً بمجرّد وصول الصاروخ الأول إلى هدفه، لتجنّب التسبّب بأضرار جسيمة"، فيما قال مسؤول غربيّ إنّه "من الممكن أن يكون الصاروخ قد تعطّل". وقد رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على هذا الأمر.
لكن هذه المرة كانت مختلفة: ففي غضون أسبوع، بدأت إيران بإرسال إشارات خاصّة إلى جيرانها والدبلوماسيين الأجانب مفادها أن صبرها قد بلغ الحدّ الأقصى، وأنها سوف تردّ بضربة كبرى على إسرائيل في أول هجوم مباشر لها على الإطلاق على الأراضي الإسرائيلية.
وتتابع الصحيفة الأميركية معلوماتها حول الردّ الإسرائيلي على إيران، مؤكّدةً أنّه "خلال أسبوع 8 نيسان، بدأت إسرائيل بإعداد ردَّين عسكريَين كبيرين"، وفق ما أفاد مسؤولون إسرائيليّون.
كان الأول عبارة عن عملية دفاعية لمنع الهجوم الإيراني المتوقّع، بالتنسيق مع القيادة المركزية الأميركية، التي زار قائدها الأعلى الجنرال مايكل كوريلا إسرائيل في ذلك الأسبوع، وكذلك مع الجيش البريطاني والفرنسي والأردني.
أمّا الثاني، فكان عملية هجومية ضخمة سيتم تنفيذ عند تنفيذ الضربة الإيرانية. وقال المسؤولون الإسرائيليون إنّ "المخابرات الإسرائيلية اعتقدت في البداية أنّ إيران خطّطت للهجوم باستخدام سَرب من الطائرات الكبيرة من دون طيار وما يصل إلى 10 صواريخ باليستية. ومع مرور الأسبوع، ارتفع هذا التقدير إلى 60 صاروخاً، ممّا زاد من رغبة إسرائيل في شنّ هجوم مضاد قوي".
بحسب الرواية الإسرائيلية لـ"نيويورك تايمز"، فقد "باشر القادة العسكريون والسياسيون في إسرائيل بمناقشة الضربة المضادة التي يمكن أن تبدأ بمجرّد بدء إيران بإطلاق الطائرات من دون طيار حتى قبل معرفة حجم الضرر، إن وُجِد، الذي تكون قد تسببت به". وفقاً لأحد المسؤولين، فقد "تم تقديم الخطة إلى مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي من قبل رئيس الأركان، الجنرال هرتسي هاليفي، وقائد القوات الجوية، تومر بار، في وقت مبكر من يوم الجمعة، 12 نيسان، أي قبل يومين من الهجوم الإيراني".
وقال المسؤولون إنّ "نوايا إسرائيل تغيّرت بعد الهجوم الإيراني. كان الهجوم أكبر من المتوقّع: مع أكثر من 100 صاروخ باليستي، و170 طائرة من دون طيار ونحو 30 صاروخ كروز"، واصفاً الهجوم بأنّه "كان واحداً من أكبر الهجمات من هذا النوع في التاريخ العسكري".
لكن الدفاع الإسرائيلي، الذي تم بالتنسيق مع طيارين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن، أسقط معظم الصواريخ والطائرات من دون طيار، ولم تحدث سوى أضرار محدودة على الأرض، مما قلّل من الحاجة إلى ردّ سريع. وقال مسؤولان إن هناك تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي على إسرائيل المخاطرة بتحويل تركيزها عن الدفاع أثناء الهجوم.
مع ذلك، فقد مثّلت مكالمة هاتفية في الصباح الباكر بين نتنياهو وبايدن نقطة تحوّل، إذ شجّع خلالها الرئيس الأميركي إسرائيل على التعامل مع "الدفاع الناجح باعتباره انتصاراً لا يتطلّب أي ردّ آخر"، وفقاً لثلاثة إسرائيليين. وقال الإسرائيليون إنّ نتنياهو خرج من المكالمة "معارضاً للانتقام الفوري".
وبعد تنفيذ إسرائيل هجومها في وقت مبكر من صباح الجمعة، تجنّب المسؤولون في طهران إلى حدّ كبير إلقاء اللوم على إسرائيل في الهجوم. وقد ساعد ذلك، إلى جانب قرار إسرائيل بعدم إعلان مسؤوليتها عنه في تقليل خطر التصعيد.