النهار

التجسّس الصيني في أوروبا... وسائل هائلة يقابلها ردّ غير كافٍ
المصدر: أ ف ب
التجسّس الصيني في أوروبا... وسائل هائلة يقابلها ردّ غير كافٍ
مبنى السفارة الصينية في برلين (22 نيسان 2024، أ ف ب).
A+   A-
تشير قضايا التجسس المنسوبة للصين في ألمانيا والمملكة المتحدة والتي كشفت هذا الاسبوع إلى سعي بيجينغ لنشر شبكة شاسعة من المخبرين في قارة غير مسلحة بما يكفي لمواجهتها، في صراع يكاد يكون غير متكافئ.

مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، أعلنت ألمانيا والمملكة المتحدة الإثنين توقيف أو توجيه التهم إلى خمسة أشخاص للاشتباه بأنهم يتجسسون لحساب الصين. كذلك، اوقف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لحساب الصين.

ليس ثمة ما يربط بين القضيتين، أو يفسر تزامن الكشف عنهما في مجال تسوّى الخلافات فيه تقليدا بعيدا عن الأضواء.

غير أنهما تشيران إلى ظاهرة تندد بها أجهزة الاستخبارات الأوروبية وتنفيها بيجينغ بشدة، وهي أن الصين توظف موارد هائلة للتأثير على الآراء العامة والتجسس على الاقتصادات والشركات واختراق الهيئات والجامعات.

وقال ألكسندر بابايمانويل الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس لوكالة فرانس برس "ثمة تقليد طويل للاستخبارات الصينية موجه إلى وضع اليد على رصيد معرفي وبراءات اختراع ومواد فكرية إستراتيجية".

وبقيت أوروبا لفترة طويلة غافلة لهذه الظاهرة أو متجاهلة لها. وأضاف بابايمانويل أن "إدراك ذلك جاء متأخرا، نتيجة عدد من العوامل منها السذاجة وثقة مسرفة في عولمة مثالية واهمة".

- "لا أحد يملك أرقاما" -
وكشف معهد مونتينيه في باريس في أيلول أن الولايات المتحدة تستخدم "أدوات أمن اقتصادي تطمح من خلالها إلى الحفاظ على تقدمها على دول أخرى" مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي "لا يملك هذا الدافع الإستراتيجي" إذ أنه "بُني على قاعدة مبادئ التبادل الحر والتعددية".

غير أن الخطر حقيقيّ. ورأى بول شارون خبير الصين في معهد البحث الإستراتيجي في المعهد العسكري في باريس أن أجهزة الاستخبارات الصينية "من الأهم في العالم، إن لم تكن الأهم".

ويضم فرع الاستخبارات في وزارة الأمن العام الصينية  80 إلى 100 ألف عنصر، على حدّ قوله، فيما تشير بعض المصادر إلى عدد يصل إلى مئتي ألف عميل في وزارة أمن الدولة. لكن الباحث أضاف "الواقع أن لا أحد يملك أرقاما، ولا يبقى لنا سوى التكهّن".

وأقرّت لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني العام الماضي أن الشبكة الصينية "تطغى على أجهزة الاستخبارات البريطانية وتطرح تحديا على وكالاتنا".

وتتركز أنشطة الاستخبارات الصينية على استمرارية النظام الصيني وجمع المعلومات من سياسية واقتصادية وعلمية وعسكرية، والحرب المعلوماتية، وهو مجال ينخرط فيه جهاز الدولة برمّته.

وأدرج مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي في آب الماضي بين الهيئات النافذة الصينية الجيش ووزارات أمن الدولة والأمن العام والخارجية والصناعة وهيئات مختلفة تابعة للحزب الشيوعي الحاكم.

ولفت مركز الأبحاث إلى "مشاركة مجموعة واسعة من الهيئات غير الرسمية وشبه الرسمية أيضا، من القراصنة المعلوماتيين وحتى الشركات الخاصة".

- شبكة واسعة -
وأنشطة التجسس أقل تنسيقا مما يبدو ظاهريا، فأجهزة الدولة الصينية مشرذمة بين المركزية والإدارة الذاتية للأقاليم، ما بين الدولة والحزب، وبين الإدارة والخلافات الإيديولوجية.

وقال بول شارون لوكالة فرانس برس "نتصوّر الصين دولة تملك جهازا بيروقراطيا خنوعا وشديد الفاعلية. هذا ما يودّ الصينيون إقناعنا به"، لكن الإدارة "تتصرف في غالب الأحيان بارتجال" مع "بعض الخطوط التوجيهية... التي تبقى فضفاضة وذات قيمة رمزية أكثر من أي شيء آخر".

ولم تكن القضايا التي كشفت في الفترة الخيرة مفاجئة إذ تندرج في سياق أنشطة وصفت بأنها متزايدة. لكن السؤال المطروح يتعلّق بمداها.

وأوضح بول شارون "نرصد المزيد من العمليات، أولا لأن الأجهزة الصينية ازدادت نشاطا بشكل واضح، إنما كذلك لأننا نبدي المزيد من الاهتمام. لا نعرف ما هو حجم الجزء الخفي من هذه الأنشطة. هل تمثل العمليات التي رصدناها 10% من أنشطتهم أو 60% منها؟ لا نعرف شيئا عنها، وهذا يدل بصورة جليّة على ثغراتنا".

وتساهم قلّة المعلومات الغربية عن الصين وتعدّد الجبهات المفتوحة وفي طليعتها الإرهاب والحرب في أوكرانيا واشتعال الشرق الأوسط، في إضعاف أوروبا التي تفتقر إلى الوسائل المناسبة بمواجهة خصم يكثّف عمليات المراقبة وجمع المعلومات والتحليل.

وأوضح ألكسندر بابايمانويل أن "جودة جهاز استخبارات تقاس بالمعطيات التي يمكنه جمعها" مشيرا إلى "أنشطة إلكترونية صينية هائلة لجمع كمّ كبير من البيانات الحساسة".

واعتبر بول شارون أن "معظم أجهزة الاستخبارات الأوروبية وافقت على بذل جهود كبيرة لنشر شبكات فعالة لمكافحة التجسس، لكن الأجهزة الصينية على صعيد التنظيم والقدرات وآليات العمل، تبقى مجهولة إلى حدّ بعيد".

وأضاف أنه للتعويض عن هذه الثغرات "يشكل الاستقصاء الرقمي مصدرا حقيقيا للمعلومات المحتملة، علينا أن نستغله بشكل منهجيّ أكثر".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium