اصطحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الصيني شي جينبينغ إلى منطقة البيرينيه الجبلية، الثلثاء، في اليوم الثاني من زيارة دولة من شأنها أن تسمح بحوار مباشر عن الحرب في أوكرانيا والخلافات التجارية.
ووصل الزعيمان برفقة زوجتيهما، بعيد الظهر إلى جبل تورماليه إحدى محطات الصعود في طواف فرنسا للدراجات في أعالي البيرينيه في جنوب غرب البلاد، حيث ما زال الطقس شتويا على ارتفاع 2115 مترا.
وبينما كان الثلج يتساقط شاهد الرئيسان وهما يحتميان مع زوجتيهما تحت مظلتين رقصة أداها راقصون بملابس تقليدية على وقع موسيقى المزامير والأكورديون.
وقصد ماكرون مطعما جبليا يقع على ارتفاع كبير حيث تناول الرئيسان مع زوجتيهما الغداء. وقدّم ماكرون هناك هدايا لنظيره من بطانيات صوف من جبال البيرينيه، وزجاجة أرمانياك، وقبعات، وسروال أصفر من سباق فرنسا للدراجات.
وقال ماكرون لشي الذي يزور فرنسا للمرة الأولى منذ العام 2019 "أعلم أنك تحب الرياضة (...) سنكون سعداء بوجود درّاجين صينيين في السباق".
وفي المقابل وعد شي جينبينغ بأن يقوم بدعاية للحم الخنزير المحلي قبل أن يؤكد "أحب الجبن كثيرا".
- "إطار منافسة شريفة" -
واعتُبرت الزيارة إلى جبال البيرينيه ردا على حفل الشاي الذي دعا إليه الرئيس الصيني ماكرون خلال زيارته إلى الصين العام الماضي، وأقيم في كانتون في مقر إقامة حاكم مقاطعة قوانغدونغ، حيث كان يعيش والد الرئيس الصيني شي تشونغ شيون عندما شغل هذا المنصب من 1978 إلى 1981.
واختلفت الأجواء في جبل تورماليه حيث الضباب والثلوج تماما عن إطار قصر الإليزيه الرئاسي حيث خُصَّص لشي جينبينغ استقبال حافل الاثنين وأقيمت على شرفه مأدبة عشاء رسمية اتسمت بالحفاوة، من دون أن يحجب ذلك الخلافات حول التجارة بين أوروبا والصين.
ودعا الرئيس الفرنسي الاثنين إلى وضع "إطار منافسة شريفة".
وحضرت المباحثات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين لتشكيل جبهة أوروبية موحدة. وحذّرت من أن الاتحاد الأوروبي سيتخذ "قرارات حازمة لحماية اقتصاده" منددة بتدفق السيارات الكهربائية الصينية التي تحظى بدعم رسمي كبير.
ورد شي جينبينغ بالقول إن "ما يسمى بمشكلة القدرة الفائضة للصين غير موجودة".
وفي شأن أوكرانيا، كرر رغبته في العمل بهدف التوصل إلى حل سياسي.
وأيد "هدنة أولمبية" دعا إليها ماكرون أيضا لمناسبة أولمبياد باريس هذا الصيف. وأفاد مصدر ديبلوماسي فرنسي بأن هذه الهدنة قد تساهم على صعيد أوكرانيا في بدء عملية سياسية الطابع بعد أكثر من سنتين على اندلاع النزاع.
وتطالب باريس منذ عام بيجينغ بممارسة ضغوط على روسيا للمساعدة في إنهاء الحرب، خصوصا أن الرئيس الصيني يبقى الحليف الرئيسي لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، ومن المقرر أن يستقبله قريبا.
- كسر جمود البروتوكول -
وأعلن الإليزيه الثلثاء أن ماكرون ناقش مع شي مسألة حقوق الإنسان، ولا سيما "بعض الحالات الفردية".
وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى أن "الرئيس أثار أمس (الاثنين) موضوع حقوق الإنسان، وأبدى اهتمامه بهذا الأمر وببعض الحالات الفردية".
وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن قبل وصول ضيفه أنه يفضل مناقشة هذه القضايا الحساسة "خلف أبواب مغلقة"، في حين أن وضع التبتيين والأويغور يثير انتقادات كبيرة في فرنسا.
وقال ماكرون الاثنين إنه يتوقع حصول "مباحثات ودية ومثمرة" في جبل تورماليه.
ويأمل الوفد الفرنسي بأن تسمح هذه المحطة في جبال بيرينيه في تسهيل "تبادل صريح ودي" حول قضايا أخرى شائكة، وتقوم الفكرة على كسر جمود البروتوكول الذي يرافق كل تحركات الرئيس الصيني.
وقالت أوساط الرئيس الفرنسي إن هذه المنطقة الجبلية "مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة" إيمانويل ماكرون الشخصية. فقد أمضى الرئيس عطلا كثيرة في هذه المنطقة مع جدَّيه.
وقال برتران بادي الخبير في العلاقات الدولية في معهد ساينس بو للعلوم السياسية "لطالما راهنت سياسة ماكرون الخارجية بطريقة مبالغ فيها ربما، على أهمية" العلاقات الشخصية.
لكن الباحث حذّر "هذا ينم عن جهل فعلي لطبيعة شي جينبينغ غير المعروف بأنه يولي أهمية كبيرة للعواطف".
وكان المرشح الاشتراكي للانتخابات الأوروبية رافاييل غلوكسمان أكثر صرامة حيال هذه الاستراتيجية متّهما ماكرون ب"فرش السجاد الأحمر بتملق" ل"ديكتاتور".