جلس عبدي حسين بمفرده على طريق انتشرت عليه خيام متداعية رُبطت بخيوط بلاستيكية في بلدة غاريسا شرق كينيا، بعد أن دمرت الفيضانات الجارفة مصدر رزقه ومنزله وأودت بحياة زوجته.
قال الرجل البالغ من العمر 32 عاما لوكالة فرانس برس "بدا كما لو أن العالم يقترب من نهايته... ارتفعت المياه، ارتفعت وارتفعت حتى ابتلعت كل شيء".
شهدت بلدة غاريسا في السابق كوارث جراء الأمطار، لكن سكانها صدموا من القدرة التدميرية لهذه الفيضانات العارمة التي جلبتها الرياح الموسمية المستمرة.
وأودت الفيضانات في كينيا بحياة 257 شخصا في أنحاء الدولة الواقعة شرق أفريقيا، بعد أسابيع من الأمطار الموسمية التي فاقت غزارتها المعتاد وتفاقمت بسبب ظاهرة إل نينيو المناخية.
وشردت المياه الجارفة نحو 55,000 أسرة بعد أن غمرت الأمطار قرى بأكملها، وأغلقت الطرق وأعاقت إيصال السلع الأساسية.
وغمرت الأمطار الغزيرة خمسة سدود، مما أدى إلى تدفقات هائلة من المياه في اتجاه مجرى النهر عبر غاريسا ونهر تانا ولامو، وهي منطقة يسكنها أكثر من 1,5 مليون شخص.
وأكدت مواناجوما راها التي دمر منزلها وجُرفت جميع ممتلكاتها "لم نشهد أمطارا غزيرة هنا، لكن مصيبتنا الكبرى هي أننا نعيش في اتجاه مجرى النهر".
- معاناة -
نزح سليمان فويا عبد الله (27 عاما) سبع مرات في حياته جراء الفيضانات، أولها عندما كان مجرد رضيع.
لكنه يؤكد أنه لم يتوقع مطلقا كارثة بهذا الحجم. واضطر المزارع الشاب لقضاء أيام على سطح منزله كونه لا يعرف السباحة في انتظار المساعدة.
نزح عبد الله في تشرين الثاني الماضي لثلاثة أشهر، قبل عودته بالكاد إلى حياته قبل أن تجبره الأمطار الموسمية على مغاردة منزله مرة اخرى.
وقال لفرانس برس "نحن المواطنون العاديون نعاني حقا".
ويرفض كثيرون مغادرة بيوتهم خوفا من تعرضها للنهب، وآثروا العيش على أسطح المنازل والمشي في المياه أو السباحة حال احتاجوا إلى الغذاء.
قطعت المياه الطريق الرئيسي المؤدي إلى غاريسا التي تعد مركزا تجاريا رئيسيا قرب الحدود مع الصومال، ما يعني أن كل عمليات التسليم تتم عبر الجو أو القوارب ما تسبب بارتفاع الأسعار.
ويقول بويا علي كاراني (64 عاما) وهو أحد كبار رجال القرية وينام الآن في الشارع بعد أن تسببت الأمطار بتدمير منزله "لم نشهد أمرا كهذا في منطقتنا من قبل".
أ ف ب
- نقص في الطعام والمياه -
يتزايد الطلب على القوارب البخارية عند الرصيف المؤقت خارج غاريسا. وهذه القوارب تستخدم في العادة لنقل السياح في بحيرة نيفاشا على بعد أكثر من 400 كيلومتر. وازداد الطلب عليها كونها تنقل الأشخاص وتوفر لهم الغذاء الذي يحتاجونه بشدة.
ولكن الرحلات في هذه القوارب قد تكون مميتة. فقد انقلب قارب ركاب مكتظ الشهر الماضي. وتم انتشال سبع جثث، من بينها جثة تلميذة بينما لا يزال العشرات في عداد المفقودين.
محمد منصور علي (36 عاما) الذي يعمل على متن قارب ويشارك في عملية الإنقاذ، يؤكد أن العمل "صعب للغاية".
ويوضح أنه "لا يتاح لنا أن ننام والأمر متعب جدا لأننا نبدأ العمل في السادسة صباحا وننتهي في السادسة مساء".
ويتابع "خلال الاستراحة، يمكن أن تصلك مكالمة هاتفية عن مريض بحاجة للذهاب إلى المستشفى".
ومنذ انقلاب القارب، وضعت السلطات بعض القيود. وتمركزت قوات من البحرية عند الرصيف للتحقق من ارتداء كل راكب سترة نجاة وعدم تحميل القوارب فوق طاقتها.
وهناك مخاوف من تفاقم الأزمة مع استمرار هطول الأمطار، حيث وصل سد ماسينغا الضخم في وسط كينيا إلى مستويات "تاريخية" بالفعل.
ويقول المنسق الإقليمي للصليب الأحمر الكيني داود أحمد شالي إن الوضع "مريع" في 11 مخيماً تؤوي حوالي 6500 أسرة في مقاطعة غاريسا.
وأكد لفرانس برس "لدينا الكثير من الناس في... المخيمات حاجتهم الأساسية أو الأكثر إلحاحا الآن هي الحصول على الغذاء".
ودعا ناشطون إلى توفير مزيد من التمويل لمعالجة هذه الأزمة، مشيرين إلى أن المجتمعات الأكثر تضررا هي الأقل مساهمة في الظواهر الجوية المتطرفة.
وتؤكد المديرة الإقليمية لشرق وجنوب إفريقيا بمؤسسة ميرسي كوربس الخيرية الأميركية للتنمية ميلاكو ييرغا "تأثير تغير المناخ على المجتمعات لا رجعة فيه وسيزداد سوءا، ما سيؤدي إلى ارتفاع مستمر في الطلب العالمي على المساعدات الإنسانية".