يواجه ناشطون وصحافيون مستقلون وسياسيون معارضون في جورجيا منذ أسابيع حملة تهديدات وعنف استهدفتهم منذ تقديم مشروع قانون "التأثير الأجنبي" المثير للجدل في البرلمان، الذي يستهدف وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلا أجنبيا.
وستيقظت بايا باتارايا رئيسة إحدى المجموعات الرائدة في مجال حقوق المرأة في البلاد نهاية الأسبوع الماضي لتجد مبنى شقتها في العاصمة تبليسي مليئا بملصقات تحمل صورة وجهها وعبارة "عميل أجنبي".
وألصقت الصور أيضا على الدرج المؤدي إلى باب شقتها.
وتؤكّد الحكومة الجورجية أنّ هذا الإجراء يهدف إلى إجبار المنظّمات على إظهار قدر أكبر من "الشفافيّة" في ما يتعلّق بتمويلها.
ويقول منتقدو النص إنه مستلهم من القانون الروسي بشأن "العملاء الأجانب" ويهدف الى إسكات المعارضة، وقد يؤثر على طموح البلاد في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وترفض باتارايا بشدة الإيحاء بأنها تمثل تهديدا. وتدعم "ساباري" المجموعة التي تترأسها، النساء اللاتي يعانين من العنف المنزلي والتمييز.
وتصر "كل ما أقوم به، أقوم به من أجل شعبي وبلدي. وبالتأكيد ليس من أجل أي شخص آخر".
وتشير إلى أنه على مدى أشهر قبل إقرار القانون الثلثاء، قامت الحكومة بتشديد الخناق على المنظمات غير الحكومية، وبشن حملات اعلامية ضدها.
وتؤكد أنه "لن أسجل أبدا كعميل أجنبي".
ويعد الوضع حساساً في جورجيا التي تتأرجح بين النفوذ الروسي والأوروبي وقد تعرّضت لغزو روسي في العام 2008.
- استهدافات سابقة -
وسيُلزم هذا القانون أيّ منظّمة غير حكوميّة أو مؤسّسة إعلاميّة تتلقّى أكثر من 20 في المئة من تمويلها من الخارج، بالتسجيل باعتبارها "منظّمة تسعى إلى تحقيق مصالح قوّة أجنبيّة".
واستُهدفت باتارايا سابقا بملصقات مماثلة. وعندما سعى حزب "الحلم الجورجي" الحاكم للمرة الأولى تمرير التشريع في العام الماضي، تم نشر ملصقات لوجهها كتب عليها كلمة "خائنة" في محطات مترو تبليسي.
وأضافت "لكن هذه هي المرة الأولى التي يأتون فيها إلى منازلنا".
وسبق أن حاول الحزب الحاكم إقرار هذا القانون العام 2023، لكنه اضطر إلى التراجع بسبب التظاهرات الاحتجاجية الحاشدة.
وعدم التسجيل لدى السلطات يعني مواجهة غرامات مستحيلة أو حتى الإغلاق.
وخارج المقر المحلي لمنظمة "الشفافية الدولية" وهي منظمة غير حكومية لمكافحة الفساد، وضعت ملصقات مماثلة تهدد الرئيسة المحلية للمنظمة إيكا جيجاوري.
وجيجاوري (46 عاما) تعد من اشد الأصوات انتقادا للحكومة.
وتشير السيدة إلى أنها لم تُفاجأ وأن "المعنى الضمني (للقانون) هو أنهم قد يقومون بتجميد أصولنا".
تعمل هذه المنظمة في جورجيا منذ 24 عاماً كغيرها من المنظمات غير الحكومية الممولة من الغرب التي ظهرت بعد حصول تبليسي على الاستقلال.
وقالت جيجاوري إن المجموعة استُهدفت بسبب تقاريرها عن الفساد في جورجيا، وأنها لن توافق "أبدا" على تصنيفها عميلة أو جاسوسة.
وخلال القراءة الثالثة والأخيرة، اعتمد النواب الجورجيون، الثلثاء، النص حول "التأثير الأجنبي" المستلهما من القانون الروسي بشأن "العملاء الأجانب" ويهدف الى إسكات المعارضة، رغم المظاهرات المناهضة لهذا النص.
- مخاوف -
بينما أصرت السلطات أن مراقبي حقوق الإنسان سيكونون الهدف الرئيسي للقانون، فإن منظمات غير حكومية اخرى ممولة من الخارج قامت بلعب دور حيوي في دعم قضايا إنسانية اخرى.
تشعر ناتو شافكالادزي بالقلق على استمرارية عمل دار الأمان للنساء الهاربات من العنف المنزلي الذي تديره في ضواحي العاصمة، حال تنفيذ القانون.
وأكدت لفرانس برس في المبنى المتواضع الذي يؤوي نحو 20 امرأة، ان أحد الطوابق تم تجديده بتمويل من السفارة البولندية، بينما تم تجديد طابق آخر بتمويل من اليابان.
وأضافت في مطبخ الملجأ "هذه الثلاجة تبرعت بها إسرائيل"، مضيفة أنها تلقت أيضًا منحا من إستونيا.
وتصر على "أننا نتحدث عن إنقاذ حياة" الناس.
وفي جورجيا، تعتمد المنظمات غير الحكومية بشكل كبير على المنح الأجنبية، ولا تحصل شافكالادزي إلا على 20 بالمائة من تمويلها محليا.
وتشير الى انه "في حال لم نسجل، قد ننتهي من الوجود".
وعلى الجانب الآخر من العاصمة، تتساءل سارة مودزماناشفيلي كيميتشي عن كيفية إبقاء ملجأ الكلاب الذي تديره مفتوحا.
وقالت "لقد تم تصنيفنا لقيامنا بشيء يصب في مصلحة المجتمع بأكمله".
وحملت صناديق التبرعات مع ابنتها المراهقة التي قامت بدور نشط في الاحتجاجات. وأضافت "الأمر لا يتعلق بالشفافية".
وعند سؤالها عن رأيها في اتهام بيدزينا إيفانيشفيلي، وهو رجل أعمال ثري يُعتبر زعيم الظل في جورجيا، للمنظمات غير الحكومية بالتخطيط لثورة، أجابت "أود أن يأتي لمساعدتي في جمع فضلات الكلاب ويرى كيف نعمل لتغيير السلطة".
وأشارت إلى الكلاب قائلة "هذه هي الكيانات التي تسعى إلى تحقيق مصالح القوى الأجنبية!".