المراسم التي تمّ خلالها الاحتفال هذا العام بذكرى قيام إسرائيل، أخذت حيّزاً مهماً في الصحافة الأجنبية، خصوصاً أنّ فعاليات إضاءة المشاعل وما يرافقها كان ينقل مباشرة على هواء وسائل الإعلام الإسرائيلية، غير أنّ هذا العام جرى تسجيلها مسبقاً، وعزت الحكومة السبب إلى الحرب القائمة، لكنّ في التحليلات الصحافية أنّ وراء هذا القرار أسباب سياسيّة داخلية.
وفي هذا الإطار نشرت مجلة "الإيكونوميست" تقريراً لها من مدينة القدس تحت عنوان " في يوم الاستقلال، إسرائيل تمزّق نفسها"، قالت فيه إنّ السبب الحقيقي وراء تسجيل الاحتفالات مسبقاً، "كان خوف السياسيين من أن يعرقلها المحتجّون الغاضبون من فشلهم في التعامل مع الحرب". ولفتت إلى قيام محطّات تلفزيونية في الوقت نفسه ببثّ تحرّكات احتجاجية ضدّ الحكومة، نظّمتها عائلات الأسرى المحتجزين في غزة.
وتقول الصحيفة البريطانية، أنّ توقّعاتها كانت منذ العام الماضي، أنّ "التهديدات الأكثر إلحاحاً تأتي من الداخل، لاسيّما مع التعديلات القضائية المقترحة من حكومة بنيامين نتنياهو، والتي تسيطر عليها الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب القومية الدينية"، وأنّ هذا ما دفع بمئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الخروج إلى الشوارع ضدّ ما اعتبروه "تآكلاً خطراً للأسس الديموقراطية في بلادهم".
ورأت "الإيكونوميست" أنّ هذا يمثّل "صراعاً بين دولة علمانية أو على الأقل في نظرها ليبراليّة، وإسرائيل الجديدة لحزب الليكود اليميني الحاكم وشركائه من اليهود المتشدّدين".
ومن ثمّ ينتقل كاتب المقال الى الوضع الراهن، ليقول "إنّ إسرائيل عالقة في حرب كارثية في غزّة" أثارت موجة من "الاحتجاجات المشروعة ضدّ إسرائيل، واتّخاذ إجراءات قانونية تتّهمها بانتهاك القانون الدوليّ".
ويضيف، أنّ الصورة خارج غزة قاتمة، بعد شنّ "حزب الله" حربَ استنزافٍ خاصّة به، "وأصبحت المنطقة الأوسع أكثر تهديداً" إذ أنّ الحوثيين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر. كما يتطرّق إلى الهجوم الإيرانيّ منتصف نيسان الماضي، ويشير المقال إلى أنّه على الرغم من تجنّب حرب مفتوحة، إلّا أنّ ارتفاع عدد القتلى في غزة، يؤدّي إلى "تدهور العلاقات بين إسرائيل والعرب"، وتحديداً مع مصر، وإمكانية تطبيع العلاقات مع السعودية.
وتخرج "الإيكونوميست" باستنتاج أنّه مع استمرار الصراع الحاليّ، عادت الانقسامات الداخلية إلى الظهور. وأنّ "دعم الحرب على غزة لم يُترجم إلى دعم للحكومة. وحلّ محلّ الخلافات حول النظام القضائيّ، الغضب من السياسيين الذين أساءوا إدارة الحرب بشكل كارثيّ". هذا بالإضافة إلى أنّه مع استمرار الحرب "تفاقم غضب الإسرائيليين العلمانيين تجاه اليهود المتشدّدين، والذين تمّ إعفاء شبابهم منذ فترة طويلة من الخدمة العسكرية".
وتتابع في سياق متصل، أنّ الإدارة الأميركية وشركاءها في المنطقة عرضوا على إسرائيل "مخرجاً من الحرب من خلال رؤية السلطة الفلسطينية تحلّ محلّ حماس في غزة، وبناء تحالف إقليميّ مدعوم من الولايات المتّحدة ضدّ إيران ووكلائها".
لكنّ الصحيفة تستطرد هنا، بأنّ "هذا الأمر قد يكون بعيد جدّاً عن البساطة، لكنّه سيكون أفضل ممّا يبدو وكأنّه حرب لا يُمكن الفوز فيها... ومع ذلك، فإنّ الانقسامات داخل إسرائيل تجعل من المستحيل تقريباً على البلاد أن تتبع مثل هذا المسار". في ظلّ الانقسامات الداخلية ونظام انتخابيّ "يمنح سلطة غير متناسبة للأحزاب المتطرّفة الصغيرة، وزعيم لا يحظى بشعبية يناضل من أجل بقائه السياسي قبل كلّ شيء".
وينهي الكاتب مقاله بالقول، إنّه قبل عام اعتقدت الأحزاب اليمينيّة ونتنياهو أنّ إسرائيل قادرة على النجاة من الاضطرابات الداخلية التي تعيشها، ذلك لأنّها "لم تعد تواجه التهديدات الخارجية من الماضي". أمّا اليوم، فإنّه من الواضح أنّه "حتّى في ذروة الحرب، تظلّ التهديدات الكبرى لإسرائيل موجودة داخل حدودها".