أوكرانيا في أصعب مرحلة من تاريخ الحرب مع روسيا، منذ منتصف كانون الأول 2022، ما ينبئ بتطورات ميدانية أخرى، خصوصاً وأنّ التقارير الغربية أشارت إلى تحضيرات موسكو لشنّ هجمات أوسع نطاقاً خلال الصيف المقبل.
التطورات الراهنة، أشارت إليها وكالة الصحافة الفرنسية بتقرير استندت فيه إلى بيانات للمعهد الأميركي لدراسة الحرب (ISW)، وأشارت فيه إلى أنّ روسيا سيطرت على 278 كيلومتراً مربعاً في غضون أسبوع في شرق أوكرانيا، وتحديداً في منطقة خاركيف، ما عدّ أكبر اختراقاً لها منذ سنة ونصف السنة.
وفي تفاصيل هذا التطوّر الميدانيّ أنه بين التاسع من أيار والخامس عشر منه، سيطرت روسيا على 257 كيلومتراً مربعاً في منطقة خاركيف وحدها في شمال شرق أوكرانيا، وهو مركز الهجوم الروسي الجديد حيث أعلنت موسكو الاستيلاء على بلدات عدّة.
أمّا البقية وهي 21 كيلومتراً مربعاً، فقد سيطر عليها الجيش الروسي في مواقع مختلفة على خطّ الجبهة من بينها بلدة روبوتينه الاستراتيجية في جنوب البلاد.
غير أنّ هذا التقدّم يبقى ضئيلاً إذ يطال أقلّ من 1 في المئة من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها موسكو حالياً، لذلك فإنّ المساحات التي استولت عليها روسيا في الفترة الأخيرة محدودة جداً بالمقارنة مع تلك التي احتلتها في بداية غزوها لأوكرانيا في شباط 2022، إذ بلغت المساحة الإجمالية نحو 12 في المئة من دون احتساب شبه جزيرة القرم التي ضمّتها عام 2014.
القوات الروسيّة فتحت الأسبوع الماضي جبهة جديدة من الحرب الأوكرانية، مع تغيير في التكتيكات العسكرية، وذلك من خلال التقدم بسرعة عبر الحدود إلى منطقة خاركيف في شمال شرق أوكرانيا بمجموعات صغيرة من الوحدات العسكرية سريعة الحركة، وهو ما أجبر أوكرانيا على أن تهرع لنقل قواتها من مناطق أخرى لمواجهتها.
وأعلن قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية سيرغي كاراكاييف، أن القدرات القتالية للوحدات تعززت بأنظمة صاروخية جديدة فيما قال مسؤول معيّن من روسيا في أوكرانيا فيتالي غانشيف، إن القوات الروسيّة تحاول السيطرة على قرية ليبتسي التي تبعد نحو 30 كيلومتراً شماليّ خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن غانشيف قوله للتلفزيون الحكومي الروسي "أهم مدينة، والتي هي الآن على وشك التحرير الكامل، هي بلا شكّ فولتشانسك".
وسيكون الاستيلاء على فولتشانسك، الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من الحدود، أهمّ مكسب لروسيا منذ أن توغّلت في المنطقة يوم الجمعة الماضي لتفتح جبهة جديدة في غزوها، وتجبر كييف على التعجيل بإرسال تعزيزات لقواتها هناك.
كييف والموقف الصعب
كييف اعترفت من جهتها بالواقع الميداني، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي التقى القادة العسكريين في مدينة خاركيف التي تبعد نحو 30 كيلومتراً عن الحدود مع روسيا، أكّد أنّ الوضع في خاركيف "صعب للغاية" لكنّه يبقى "تحت السيطرة"، على حدّ تعبيره في منشور على "تلغرام"، قال فيه إنّه على الرغم من الوضع الصعب إلّا أنّ "جنودنا يلحقون بالمحتل خسائر باهظة. لكنّ المنطقة تبقى صعبة للغاية".
وأشار الجيش الأوكرانيّ إلى أنّه يخوض قتالاً مع القوات الروسية في مناطق شمال بلدة فولتشانسك بمنطقة خاركيف اليوم الخميس، مضيفاً "أنّ الغزاة لم يتمكّنوا من اختراق عمق البلدة الحدودية".
وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية في بيان "أُحبطت خطط العدو للتوغل بشكل أعمق في بلدة فولتشانسك وكسب موطئ قدم هناك".
ووصفت الهيئة الوضع في فولتشانسك بأنّه تحت السيطرة، قائلة إنّ إجراءاتها الدفاعية أجبرت القوات الروسية على تخفيف وتيرة الهجمات في شمال منطقة خاركيف.
وأوضح المتحدّث العسكري نزار فولوشين أنّ القوات الأوكرانية "كشفت وحدات العدو المنفصلة وموقع انتشار المدفعية وكبدت العدو خسائر لمنعه من جمع القوات والمعدّات في الجزء الشمالي من بلدة فولتشانسك".
كما اتّهم وزير الداخلية الأوكراني إيغور كليمنكو، الجيش الروسي بارتكاب أعمال الاعتقال التعسّفي والإعدام في حقّ مدنيين في مدينة فوفتشانسك بمنطقة خاركيف في شمال شرق البلاد، حيث أطلقت موسكو هجوماً برياً منذ نحو أسبوع.
وقال عبر "تلغرام" إنّه وفقاً لتقارير أجهزة الاستخبارات، فقد حاول الجنود الروس الذين يسعون إلى تثبيت موطئ قدم في المدينة، ألّا يسمحوا للسكان بإخلائها، "لقد بدأوا خطف الأشخاص لاقتيادهم إلى الأقبية"، مشيراً إلى معلومات عن وقوع "عمليات إعدام أولى للمدنيين".
في سياق آخر، وعلى الجبهة الأمنية في شبه جزيرة القرم، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن جهاز الأمن الاتحادي الروسي القول اليوم الخميس إنّه قبض على عملاء أوكرانيين، وأنّ أحدهم اعترف بتسريب معلومات حول أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي جسر القرم.
حلّ سياسيّ ورفض لمؤتمر سويسرا
التطورات دفعت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إرجاء زياراته الخارجية، لكنّ ذلك لم ينطبق على الصين، حيث التقى نظيره الصيني شي جينبينغ، وأعرب عن "امتنانه" للصين على "مبادراتها" للسلام في أوكرانيا.
وفي بيان مشترك اليوم الخميس، شدّدت بكين وموسكو على ضرورة تجنّب أيّ "تصعيد" جديد في أوكرانيا، وانتقدتا الخطوات التي من شأنها "إطالة أمد" النزاع. وأشار الطرفان إلى "ضرورة تجنّب أيّ خطوة تساهم في إطالة أمد الأعمال القتالية وتصعيد جديد في النزاع"، في إشارة ضمنية إلى الأطراف الغربية التي يكرّر الكرملين تحميلها مسؤولية إطالة أمد الحرب جراء المساعدات العسكرية التي توفرها لكييف في مواجهة الغزو.
وأكد الزعيمان اتفاقهما "على أنّ الحل السياسي للأزمة في أوكرانيا هو السبيل للمضي قدماً"، مع الإشارة إلى أنّ زيارة الزعيم الصيني إلى موسكو تأتي بعد زيارته الأوروبية وطلب فرنسا من الجانب الصينيّ التدخّل لدى موسكو لوقف القتال أو ما اسماه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "هدنة أولمبيّة".
لكن يبدو أنّ الحلّ السياسي الذي تتحدث عنه موسكو لا ينطبق على القمة المزمع عقدها في سويسرا، والتي تأمل في أن تمهّد الطريق لعملية السلام في أوكرانيا.
فقد صرّح المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحيفة إزفستيا الروسية قائلاً "بدون روسيا، فإنّ مناقشة القضايا الأمنية التي تهمّنا لا جدوي لها على الإطلاق".
ورأى بيسكوف أنّه على الأرجح "سيكون الأمر مجرّد مناقشات فارغة مع عدم وجود احتمال للتوصل لأيّ نتيجة ملموسة على الأقلّ"، مشيراً إلى أنّ "النهج المتوازن من جانب الصينيين قد يزيد من قيمة أيّ مؤتمر، من وجهة نظرنا، لكنّ هذا لن يزيد من جدوى هذا الحدث على وجه التحديد".
وكانت سويسرا قد أعلنت أنّ أكثر من 50 دولة أعربت عن عزمها المشاركة في القمّة المقرّر عقدها يومي 15 و16 حزيران، ولا تزال تحاول إقناع المزيد من دول ما يسمّى بالجنوب العالميّ وكذلك الصين بالمشاركة.