النهار

بما لا تشتهي أوروبا... صداقة أبديّة بين روسيا والصين
المصدر: "النهار"
بما لا تشتهي أوروبا... صداقة أبديّة بين روسيا والصين
جينبينغ يعانق بوتين بعد محادثاتهما في بكين (16 أيّار 2024 – أ ف ب)
A+   A-

احتفاء بمرور 75 عاماً على اعتراف الاتحاد السوفياتي بجمهورية الصين الشعبية، توجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين، وهي أول زيارة خراج روسيا يقوم بها الرئيس الروسيّ بعد تسعة أيام فقط من بداية ولايته الرئاسية السادسة، وتشير سرعة الزيارة إلى عمق العلاقة التي تمّ الإعلان عنها بأنّها "بلا حدود"، قبل أيام فقط من شنّه الحرب البرية الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

بهذا الوصف تدخل مجلة "التايم" Time البريطانية إلى موضوع العلاقات الروسيّة الصينيّة، وتقتبس من تصريح الرئيس الصيني شي جينبينغ قوله لنظيره "إنّ العلاقة بين الصين وروسيا اليوم هي علاقة تمّ تحقيقها بشقّ الأنفس، ويتعيّن على الجانبين الاعتزاز بها ورعايتها... إنّ الصين مستعدّة لتحقيق التنمية وتجديد شباب بلدينا بشكل مشترك، والعمل معاً لدعم الإنصاف والعدالة في العالم".

ويرى الكاتب تشارلي كامبل، في مقاله بعنوان "زيارة بوتين لشي تؤكّد حدود الضغوط التي قد تؤدّي إلى تقسيم روسيا والصين" أنّ الاستقبال وما رافقه "كان عرضاً للوحدة من شأنه أن يخيّب أمل الزعماء الغربيين، الذين أمضوا الأشهر القليلة الماضية وهم يحاولون يائسين إقناع شي بأنّ دعمه لبوتين يضرّ بمصالح الصين". ويذكّر هنا بزيارة جينبينغ الأخيرة إلى أوروبا والتي شملت ثلاث دول، "حيث ألقت عليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاضرة حول ضرورة وقف الدعم لآلة بوتين الحربية".

ويتابع، بأنّ "النتيجة كانت مضاعفة"، إذ أشاد بوتين بالمحادثات "الدافئة والرِفاقية" مع جينبينغ "الذي بشَّر بدوره بالصداقة الأبدية" بين البلدين التي "أصبحت نموذجاً لنوع جديد من العلاقات الدولية".

وتنقل TIME عن دبلوماسيين أميركيين، أنّ الزعيم الصينيّ ربما لا يحصل على معلومات كاملة حول حرب أوكرانيا، وأنّه يمكن لأوروبا أن تساعد في رسم صورة حقيقية. لكنّها تنتقل سريعاً إلى آراء أخرى متناقضة مرتكزة على أنّ الزعيمين التقيا أكثر من 63 مرة بشكل عام، إضاقة إلى إجراء كبار المسؤولين في البلدين مشاورات رفيعة المستوى كلّ أسبوعين تقريباً إلى جانب تكثيف التدريبات العسكرية.

ويقول الخبير في العلاقات الصينية الروسية في جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني ألكسندر كوروليف، في هذا السياق، "من المحتمل أن يكون لدى شي معلومات أكثر، وأنّه أكثر اطّلاعاً على أوضاع أوكرانيا وروسيا من أيّ دولة غربية".

وبرأي المجلة، أنّ الحجة الأميركية القائلة بأنّ الضغوط يمكن أن تحفّز شي جينبينغ على تعديل مساره تحتاج إلى أيّ دليل حقيقيّ، لاسيّما وأنّ العقوبات الغربية التي يزيد عددها عن 16.500، والتي منعت وصول روسيا إلى النظام التجاري الدولي لم تؤدّ إلّا إلى تعميق اعتمادها الاقتصاديّ على الصين، وزادت التجارة بينهما عام 2023 بنسبة 26.3 في المئة عن العام السابق.

وتقول إنّه في نهاية المطاف، "يترابط بوتين وشي حول التغلّب على الضغوط الغربية ويتشاركان في رؤية واسعة ترى أنّ النظام الليبرالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منحطّ وفي حالة انحدار نهائيّ".

وعن الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية وفرض تعرفات جمركية جديدة، يقول المحاضر في الدراسات الأمنية بجامعة غلاسكو مارسين كاتزمارسكي، "السؤال الوحيد هو هل تدفع تعرفات بايدن شي جينبينغ إلى أن يكون أكثر انفتاحاً لتقديم شيء ما لروسيا أم مجرّد الاستمرار في المسار؟"

انطلاقاً من هذا التساؤل والوقائع، يقتبس كاتب المقال عن كاتزمارسكي، أنّ التقدّم الكبير في خطّ أنابيب الغاز الطبيعيّ "قوّة سيبيريا 2"، والذي من المقرّر أن ينقل 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من شمال روسيا إلى الصين عبر منغوليا، "سيكون إشارة واضحة إلى التزام الصين الاستراتيجي طويل الأمد تجاه روسيا".

وعلى الرغم من ذلك، بالنسبة إلى كاتب المقال كامبل، "تظلّ أوروبا عنصراً أساسياً في حسابات جينبينغ الاستراتيجية"، وأنّ الانقسامات بين الدول الأعضاء "قد تخدم في الواقع المصالح الغربية"، خصوصاً وأنّ الصين حريصة على تقديم نفسها على أنّها "محايدة" في ما يتعلّق بأوكرانيا، وتقدّم "خطّة سلام خادعة" يبدو من خلالها أنّها تعمل على كبح جماح بوتن وسط تهديداته النووية المتكرّرة.

ولتثبيت هذه الفكرة يعود كامبل إلى مقابلة بوتين مع وكالة أنباء "شينخوا" الرسمية الصينية عشيّة وصوله، والتي قال فيها "إنّه مستعدّ للتفاوض لحلّ الصراع الأوكراني"، وينقل عن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رنمين في بكين وانغ ييوي، "أنّ الهدف من ذلك هو تعزيز دور شي كصانع سلام محتمل، والبناء على الهدنة الرائعة التي تمّ التوصل إليها العام الماضي والتي ساعدت الصين في التفاوض عليها بين إيران والمملكة العربية السعودية". ويتابع ييوي، "تستطيع الصين أن تتوسّط في المحادثات بين روسيا وأوكرانيا لأنّنا نؤكّد على الحاجة إلى مفاوضات ثنائية... إنّ مجرّد إلقاء اللوم على روسيا أو أوكرانيا لا يمكن أن يحلّ هذه المشكلة".

وبالعودة إلى جولة الرئيس الصيني الأوروبيّة، تشير المجلة البريطانية إلى أنّ زيارته صربيا والمجر هي "تودّد بشكل علنيّ إلى أعضاء القارة الأكثر تأييداً للكرملين"، لكن إذا "اتّحدت أوروبا في دعم الولايات المتحدة، فقد يلقي شي بثقله الكامل خلف بوتين" بحسب المحاضر في الدراسات الأمنية بجامعة غلاسكو كاتزمارسكي، والذي يرى كذلك أنّه "طالما أنّ الصين قادرة على إبقاء أوروبا منقسمة ومنفصلة عن الولايات المتحدة، فلا يزال من المنطقيّ أن تكون هناك بعض القيود في المساعدة التي تقدّمها لروسيا"، لأنّ أوروبا الموحّدة قد "تؤدّي إلى دعم أكثر انفتاحاً لروسيا، بما في ذلك تسليم الأسلحة".

وبحسب المقال، فإنّ هذا الرأي يتّفق معه الخبير في العلاقات الصينية الروسية بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني ألكسندر كوروليف، الذي يقول "عندما تبدأ العواصم الأوروبية في طرح نقاط تكرّر ما يقوله المسؤولون الأميركيون، فهذه إشارة للصين بأنّ أوروبا لا تتمتّع إلّا بقدر ضئيل للغاية من الاستقلال الذاتيّ". وقد يكون ذلك، "بمثابة دفعة إضافية لشي جينبينغ لتعزيز شراكته مع بوتين".

وفي ختام التقرير الطويل، وبعد الإشارة إلى دلالة زيارة بوتين وشي إلى مدينة هاربين، الواقعة في شمال شرق الصين والتي كانت تسمّى ذات يوم "موسكو الصغيرة"، يقتبس الكاتب ما قاله مدير مركز كارنيغي روسيا أوراسيا في برلين ألكسندر غابويف ، في صحيفة "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع "لم يسبق أن كانت روسيا بعيدة عن أوروبا إلى هذا الحدّ منذ سقوط الاتّحاد السوفياتي، ولم يحدث قط في تاريخها بأكمله أن كانت متشابكة للغاية مع الصين".

 

اقرأ في النهار Premium