هيمن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على المشهد السياسي في إسرائيل لعقود، لكنه يجد نفسه اليوم متهماً أمام المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة الذي يتمسّك بمواصلة الحرب فيه متحدياً كل الدعوات الدولية لوقفها.
في الثالثة والسبعين من عمره، أصبح نتنياهو الذي لطالما قدّم نفسه على أنه المدافع الأول عن الشعب اليهودي، مؤكداً أنّ ذلك يمثل "مهمة حياته"، محطّ انتقادات من الداخل بسبب إدارته للحرب مع حركة "حماس" ولمسائل أخرى سياسية وشبهات الفساد التي تطاله، ومن الخارج حيث تتصاعد الضغوط من أجل وقف لإطلاق النار، لا سيما لوقف معاناة المدنيين في القطاع المحاصر.
قضى نتنياهو اكثر من 15 عاماً كرئيس للوزراء، وهي أطول مدة لزعيم إسرائيلي في منصبه
في ظل حكمه، توقفت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي بدأت في تسعينات القرن الماضي، في مقابل ازدياد النشاط الاستيطاني بشكل لافت ما جعل تحقيق حلم الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية حلماً بعيداً.
وبدأت آخر ولاية له في كانون الأول 2023 على رأٍس أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية وتطرفاً.
ويحمّله العديد من الإسرائيليين، وبينهم مسؤولون معارضون، مسؤولية الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس في السابع من تشرين الأول على الأراضي الإسرائيلية وتسبّب بمقتل أكثر من 1170 شخصاً، معظمهم مدنيون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى أرقام إسرائيلية رسمية.
لكنه قال بعد بدء الحرب إنّ وقت المحاسبة مؤجل، ويتمسّك بالهدف الذي أعلنه حينها بـ"القضاء" على حركة حماس. علما أن الردّ الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة بالقصف والغارات والعمليات العسكرية على الأرض تسبّب بمقتل أكثر من 35562 شخصاً في قطاع غزة، معظمهم من المدنيين، وفق وزارة الصحة التابعة لـ"حماس".
وطلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان الإثنين إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم تشمل "التجويع" و"القتل العمد" و"الإبادة و/أو القتل".
- محطات في حياته -
ولد نتانياهو في 21 تشرين الأول 1949 في تل أبيب، وورث عن والده المؤرخ عقيدة متشددة، إذ كان الأخير المساعد الشخصي لزئيف جابوتنسكي، زعيم تيار صهيوني يقدّم نفسه على أنه "تصحيحي" ويسعى الى تأسيس "إسرائيل الكبرى".
في العام 1976، كان شقيقه يوناتان الجندي الإسرائيلي الوحيد الذي قتل أثناء مشاركته في عملية عسكرية نفذتها وحدة كان يشرف عليها لتحرير رهائن محتجزين في طائرة خطفتها منظمتان فلسطينية وألمانية في أوغندا.
وقال نتانياهو في مذكرات نشرها العام الماضي، إنه "لن يتعافى أبداً" من مقتل شقيقه.
نشأ نتنياهو في جزء من حياته في الولايات المتحدة، وتخرّج من معهد ماساتشوستس العريق للتكنولوجيا.
بفضل طلاقته باللغة الانكليزية، ركّزت القنوات التلفزيونية الأميركية عليه أثناء كلامه عن إسرائيل بين أواخر ثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي، وهو ما ساهم في صعود نجمه كشخصية سياسية على الصعيدين المحلي والدولي.
في الثمانينات، شغل منصباً ديبلوماسياً في سفارة بلاده في واشنطن.
تولّى نتنياهو الذي لطالما شكّك في اتفاقيات أوسلو للسلام، زعامة حزب الليكود العام 1993، وفاز في الانتخابات العام 1996، ليكون أصغر رئيس وزراء لإسرائيل سناً، عندما كان بلغ من العمر 46 عاماً.
خسر السلطة سنة 1999، لكنه استعادها بعد عشر سنوات.
لدى نتنياهو ابنان من زوجته سارة وابنة من زواج سابق.
لم ينخرط نتنياهو في محادثات سلام فعلية مع الفلسطينيين خلال فترة حكمه، بل ساهم في دفن عملية السلام مع الفلسطينيين، وارتفع عدد المستوطنات في الضفة الغربية خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة خمسين في المئة. فبات عدد المستوطنين نحو 490 ألفاً يعيشون وسط 2,8 مليون فلسطيني.
أعطت حكومته الحالية حتى قبل حرب غزة ضوءا أخضر لمزيد من العمليات العسكرية ضد معاقل النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وقد ارتفعت وتيرة هذه العمليات منذ بدء الحرب.
في السياسة الخارجية، ركّز نتنياهو على إيران وبرنامجها النووي والمجموعات المتحالفة معها مثل حزب الله اللبناني.
وللمرة الأولى في تاريخ العداء بين إسرائيل وإيران، شنت الجمهورية الإسلامية التي تدعم حركة "حماس"، هجوماً غير مسبوق تمثل بإطلاق مئات الصواريخ والمسيرات على إسرائيل، ردّاً على غارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق قتلت سبعة عناصر من الحرس الثوري الإيراني بينهم قياديان. واعترضت إسرائيل معظم المقذوفات بمساعدة من حلفائها على رأسهم الولايات المتحدة.
ولا يتوانى نتنياهو عن تحدّي حتى حليفته الولايات المتحدة التي طلبت منه مراراً وتكراراً عدم تنفيذ عملية عسكرية ضد رفح في جنوب قطاع غزة، لكن قواته دخلت رفح وسيطرت على الجانب الفلسطيني من المعبر الحدودي مع مصر.
وقال في أيار "إذا كان على إسرائيل ان تبقى وحدها، فستبقى كذلك".
يقول مؤيدوه إنه يجسّد "ملك إسرائيل الجديد" ومنقذها.
ويقول المتحدث السابق باسمه أفيف بوشنسكي إن نتنياهو معتاد على جمع أحزاب من اتجاهات مختلفة تبقيه في السلطة. ويضيف "يعتقد أن لديه تكليفاً إلهياً لإنقاذ البلاد".
أما معارضوه فيدعون إلى استقالته.
وكانت الأشهر التي سبقت الحرب شهدت حركة احتجاجات واسعة في إسرائيل على محاولة نتنياهو تمرير إصلاح قضائي يحد من صلاحيات المحكمة العليا، ويجد فيه البعض انتقاصاً من الديموقراطية.
ووجهت إليه اتهامات بالفساد قبل توليه السلطة بعد آخر انتخابات أجريت في نهاية العام 2022.
وشهد العام 2020 نجاح نتنياهو في إبرام أربع اتفاقات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية. ويسعى إلى ضم السعودية أيضاً إلى هذه الاتفاقات.
عانى خلال السنتين الماضيتين من مشاكل صحية.