يتلو شعراء من طالبان قصائد أمام حشد كبير من المؤيدين أصلاً للحركة، يمتدحون فيها حكّام أفغانستان الذين استعادوا السلطة في كابول عام 2021.
وبالقرب من قاعدة بغرام الجوية المهجورة، وهي مركز سابق لقوات حلف شمال الأطلسي، جمعت السلطات عدداً من الشعراء المولجين إغداق المديح على الإمارة الإسلامية.
ومجّد شاعر يُكنّى بطالب عمر في قصيدته القوى التي قال إنها "هزمت هذا الجبل المليء بالغطرسة"، أي القوى الأجنبية التي كانت موجودة في أفغانستان بين العامين 2001 و2021.
وفي قاعة الاحتفالات الكبرى، كان عشرات الرجال يحملون بنادقهم الآلية وهم يستمعون إلى القراءات الشعرية التي أقيمت في ولاية بروان (وسط)، وكان حضورها محصوراً بالرجال.
أما النساء اللواتي تجرأن على المجيء، فيعيد توجيههن نحو المخرج ممثلون عن وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال أحد هؤلاء الشعراء ويدعى سميع الله حماس (22 عاما) لوكالة فرانس برس "علينا جميعا أن نكون متحدين ونعيش تحت سقف واحد للنظام الإسلامي ويمدّ بعضنا يده إلى الآخر بروح الأخوّة".
واضاف الشاب على هامش اللقاء الذي اقيم في حديقة ضخمة تضم المئات من أشجار الأرجوان المزهرة "هذه هي الأفكار التي نعبّر عنها في شعرنا".
وتولّت حركة طالبان مجدداً مقاليد السلطة في كابول قبل نحو ثلاث سنوات، وفرضت رؤيتها الصارمة للثقافة على أكثر من 40 مليون أفغاني.
- شغف أفغاني بالشعر-
فوسائل الإعلام أُسكِتَت، والموسيقى حُظِرَت فعلياً، وغالباً ما تُمسَح الوجوه من اللوحات الإعلانية في المدن.
وغابت تقريباً الصناعة السينمائية والتلفزيونية الأفغانية المحدودة، ولم تعد المسلسلات موجودة، وأقفلت دور السينما كلها تقريباً.
لكنّ الشعر بقي أحد المجالات الفنية النادرة التي يحاول الإفادة منها بطريقة جديدة حُكّام أفغانستان.
فشغف الأفغان بالشعر مستمر منذ قرون، وهو عابر للزمن والانقسامات العرقية واللغوية.
وتحظى قصائد "لانداي" في التقليد البشتوني، و"روباي" في التقليد الداري، بشعبية كبيرة منذ زمن طويل، وهي قصائد قصيرة جداً، يسهل حفظها.
وتتمحور هذه القصائد على الحب والإسلام والتمرد، واستخدمتها النساء مثلاً في عهد طالبان للتعبير عن غضبهن من الإجراءات القمعية التي تعرّضن لها.
ومن خلال تنظيم قراءات شعرية، تحاول حكومة طالبان كسب "القلوب والعقول"، على ما رأت روكسانا شابور، من شبكة المحللين "افغانستان أناليستس نتوورك".
وشرحت أن سلطات كابول تريد تكوين "تماسك ثقافي" لكي تثبت من خلاله أن "أفغانستان لجميع الأفغان"، بعدما غادرت القوات الأجنبية البلاد.
- "حب وسلام" -
ولاحظ محمد عليم بسميل، وهو شاعر أفغاني معروف، أن الشعراء "أدّوا دوراً مهماً في انتصار" طالبان، إذ إن "قصائدهم كانت تنتشر على نطاق واسع"، حتى خارج صفوف طالبان.
واستخدمت طالبان الشعر لتحفيز مقاتليها خلال المواجهات مع القوات الأجنبية في أفغانستان.
وجاء مثلاً في قصيدة عام 2008:
"الهجمات على العدو مصدر فرح
البنادق في أيدينا وأحزمة الرصاص على أكتافنا،
والقنابل اليدوية على صدري تبعث على السرور".
وقال مدير إدارة الإعلام والثقافة في بروان، شمس الحق صدّيقي، إن "القصائد القديمة كانت تشيد ببطولة مجاهدينا ورجولتهم، وهذا ما حفزهم".
ورأى أن المواضيع اليوم مختلفة جذريا، إذ أن الشعراء يجدون أنفسهم "في بيئة سلام" ويلقون أبياتاً عن "الأخوة والمحبة ووحدة الأمة".
لكنّ النساء مستبعدات من هذه التجمعات.
وما كان من شاعرة أفغانية أجبرها النظام الإسلامي على البقاء في منزلها كملايين النساء الأخريات إلا أن حملت قلمها لتروي قصة مختلفة تماماً، فكتبت:
"أريد العزلة، والابتعاد عن الجميع،
أن أتحرر من كل الاحزان،
أن أتنفس من جديد وأتوه،
أن أصبح هادئة وتكون روحي مفعمة بالضياء".
وقالت الشاعرة الشابة التي طلبت عدم ذكر هويتها وتنشر قصائدها عبر تطبيق واتساب، لوكالة فرانس برس "عندما أرى شعراء طالبان يتلون القصائد، أشعر بالغضب".
وأضافت "عليهم إما أن يسمحوا لنا بإلقاء الشعر ونشره، أو ألا يتلوا القصائد بدورهم".