النهار

النهار

هل خسر الغرب الحرب الإعلامية العالمية... فكانت دولة فلسطين؟
جيرار ديب
جيرار ديب
المصدر: "النهار"
هل خسر الغرب الحرب الإعلامية العالمية... فكانت دولة فلسطين؟
فلسطين.
A+   A-
 
اعتبرت فرنسا أن "الاعتراف بدولة فلسطين ليس من المحرّمات لكن الوقت لم يحن بعد"، مؤكدة أن "الشروط غير متوافرة حتى الآن ليكون لهذا القرار تأثير حقيقي على العملية الهادفة إلى حلّ الدولتين"، بحسب ما أكّد رئيس الديبلوماسية الفرنسية لوكالة فرانس برس، الأربعاء 22 أيار الجاري.
 
وأكّد ستيفان سيجورنيه في بيان مكتوب أن "هذا القرار يجب أن يكون مفيداً، أي أن يسمح بخطوة حاسمة إلى الأمام على المستوى السياسي"، وأضاف "من هذا المنظور، يجب أن تتدخل في الوقت المناسب حتى يكون هناك ما قبل وما بعد".
 
الموقف الفرنسي هذا من الاعتراف بدولة فلسطين تماهى مع الموقف الأميركي، حيث قال المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن "قيام الدولة الفلسطينية يجب أن يتحقّق من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين لا من خلال الاعتراف بها من أطراف منفردة".
 
هذا وتدرس وزارة الخارجية الإسرائيلية اتّخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية ضدّ إيرلندا وإسبانيا والنرويج، بعد إعلانها اعترافها بالدولة الفلسطينية. ومن بين الأمور المطروحة، ستدرس الوزارة تشديد منح تأشيرات الدخول للديبلوماسيين في مكاتب التمثيل الأوروبي في السلطة الفلسطينية، وهي خطوة ستصعّب عليهم العمل مع الفلسطينيين.
 
قد لا تصل القضية إلى مبدأ الاعتراف الرسمي بقيام دولة فلسطينية مستقلة بحدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية إلى النتيجة المرجوّة، رغم أن هناك 137 دولة قد أعلنت استعدادها للاعتراف، لكنّ الذي يجب أن يُعترف به، ولا سيما بعد 7 تشرين الأول الماضي، هو هزيمة الكيان والغرب إعلامياً، الأمر الذي أخرج موضوع "دولة فلسطين" إلى العلن وإلى الدفع ببعض الدول، حتى الأوروبية، للسير بهذه الخطوة رغم الاعتراض الإسرائيلي والأميركي.
 
على ما يبدو تتشظى الحرب في أوكرانيا، وتتصاعد وتيرتها نحو التهديد باتساع رقعتها، وتحوّلها إلى حرب حقيقية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في إشارة إلى تلك المناورات العسكرية التي تقوم بها قوات روسيا وبيلاروسيا لاستخدام أسلحة نووية تكتيكية رداً على الاستعداد الغربي لأيّ هجوم منتظر عليها.
 
لم تهدأ الجبهة الأوكرانية منذ أكثر من سنتين ولم تستطع الوساطات التوصّل إلى النتيجة المرجوّة لإنهاء الحرب. لهذا بدأت تنكشف أسرارها، حيث إن المحور الذي يتشكل من روسيا والصين ومن يدور في فلكهما، لا يهدف إلى تسجيل نقاط انتصار في المعركة على أرض أوكرانيا بقدر ما يريد حسم الحرب لصالحه، فهو الذي لم يتوان عن طرح مشروع التغيير لنظامٍ عالمي أصابه "الترهّل"، وما الهجوم الذي تشنّه إسرائيل على قرارات المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان إلّا نموذج على ضعف المؤسسات الدولية التي يُبنى عليها النظام الدولي.
في خضمّ المعركة في الميدانين الأوكراني والغزاوي، خرجت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، لتتحدّث عن أن "روسيا ستردّ حتماً على حظر الاتحاد الأوروبي لبثّ نوفوستي وإزفستيا ولاروسيسكايا غازيتا وموقع صوت أوروبا في دول الاتحاد".
 
هذا الموقف اللافت أتى بعدما ذكر مجلس الاتحاد الأوروبي في بيان له في وقت سابق، أنه قرّر حظر البثّ على أراضي الاتحاد لبعض وسائل الإعلام، وقال البيان إنه "تقرّر تعليق البثّ في دول الاتحاد الأوروبي لأربع وسائل إعلامية (المذكورة) تنشر وتدعم الدعاية والعدوان الروسي على أوكرانيا".
 
اكتشف الروسي كما العالم المعادي للأحادية الغربية أن إحدى القوى التي يعتمدها الغرب لبسط النفوذ على العالم، هي الحرب الإعلامية العالمية. فهذه الحرب دخلت بقوة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، ومع انتشار النظام الجديد المتمثل بالعولمة.
 
تُعدّ وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من القوى البارزة والفاعلة في النظام العولمي. لهذا فتحت الحرب الدائرة مع الغرب باب الصراع على مصراعيه، فكان للحرب الإعلامية حصّة الأسد في نقل الحقيقة، كلّ بحسب وجهة نظره، فأتقن الإعلام الروسي والعربي والإنساني عموماً الأسس التي يجب عليه اتّباعها لإحداث تغييرٍ حقيقي في النظام العالمي، وعلى رأس ذلك نشر المعلومة المغايرة لتلك التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية.
 
يقول بعض المتابعين للحرب السيبرانية إنّ المعلومة لم تعد ملك الغرب، ولا حتى وسائل نقله، بل قد يكون الغرب وقع في "الفخ" الذي نصبه للعالم، ألا وهو السيطرة إعلامياً وتحوير الحقيقة كما تراها مصالحه. فالسرعة التي تغيّر فيها العالم لم تكن متوقعة عند صانعي القرار الدولي، الذي يسيطر على وسائل الإعلام التي شكّلت في مرحلة ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أكثر من 80% من وسائل الإعلام التي باتت متنوعة في زمننا الحالي بعدما استطاعت وسائل إعلام غير غربية اقتحام الساحة الإعلامية العالمية وفرض المنافسة، إذ تمكّن الفكر المقاوم والمدافع عن قضيّة فلسطين في العالم العربي والعالمي، من التغلّب على الإعلام العبري والغربي، باعتراف وسائلهما.
 
إن ما حاولت إسرائيل نقله منذ معركة طوفان الأقصى عبر تصوير حماس بأنها حركة داعشية، فشل، ولم تصل إلى مبتغاها. وما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام نظيره اليوناني في زيارته الأخيرة التي قام بها لأنقرة يدخل في الحرب الإعلامية، إذ رفض أردوغان تصنيف حماس بأنها منظمة إرهابية، في دلالة على اعتبارها حركة مدافعة عن الأرض.
حرب انتقلت من أرض الميدان لتصل إلى الفضاء الخارجي، على اعتبار أن "سرعة تدفق المعلومة" اليوم هي أخطر من امتلاك الدولة قوة رادعة. فعرض القضية وتصوير ما يفعله الجيش الإسرائيلي في أرض فلسطين كان حافزاً للمدعي العام في محكمة الجنائية الدولية للادعاء على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بجرائم حرب ضدّ الإنسانية، هذا ما لم يحصل في تاريخ الصراع مع العدو.
 
حقّق الآخر المختلف عن الغرب نجاحاً إعلامياً، واستطاع الانتصار في الحرب العالمية الإعلامية من خلال تشكيل لوبي إعلامي دولي لدحض أكاذيب الغرب وطرحه للحقيقة كما يراها. فالإنسانية هي التي انتصرت هنا، لهذا رفع العالم ولا سيما طلاب الجامعات راية القضية مطالبين بوقفٍ فوري للنار. لقد استطاع الرافض للإجرام الإسرائيلي تشتيت تركيزه على حرب غزة، إلى إشغاله بمحاكم دولية واليوم بإعلان دولة فلسطين، وما كان ذلك ليحدث لولا القوة الإعلامية الإنسانية في هذه الحرب.