تحضّ أوكرانيا حلفاءها على السماح لها بضرب الأراضي الروسية بأسلحتهم، وهو الخط الأحمر الأخير الذي قد يتجاوزه الغربيون، على غرار خطوط سابقة، لكنه يثير في المقابل انقساما يصب في صالح موسكو.
تسبب هذا الموضوع في انقسام عميق بين أنصار كييف، حتى أنه أدى أحياناً إلى تصريحات متناقضة للبلد نفسه.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الثلثاء على قناة إزفستيا التلفزيونية "نلاحظ أنه لا يوجد إجماع حول هذه القضية في المعسكر الغربي".
وانتقد بيسكوف "المتهورين في الغرب الذين يدلون بتصريحات استفزازية غير مسؤولة على الإطلاق" في مواجهة "أولئك الذين يتساءلون عما إذا كان من الضروري المضي في زيادة حدة التصعيد".
- الفتنة -
يدفع حلف شمال الأطلسي العواصم الغربية إلى رفع القيود التي "تكبل الأوكرانيين"، على ما قال أمينه العام ينس ستولتنبرغ.
لكن العواصم تبقى منقسمة، وأكثرها تحفظاً، روما وبرلين على وجه الخصوص، تحذر من خطر التصعيد وتوسيع رقعة النزاع، بالاضافة إلى احتمال لجوء فلاديمير بوتين إلى استخدام السلاح النووي.
لكن المؤرخ العسكري ميشيل غويا رأى أن التاريخ لم يشهد أن أدت المساعدات العسكرية من قوة إلى أخرى إلى دخولها في النزاع.
كما سبق أن تم استخدام الأسلحة الغربية مرات عدة لاستهداف أراض روسية، آخرها في مدينة كراسنودار (غرب)، بحسب عدة مصادر غربية.
واوضح الكولونيل الفرنسي السابق لوكالة فرانس برس أن موسكو "أكدت أن شبه جزيرة القرم (التي ضمتها عام 2014) لا يمكن المساس بها. لقد ضربها الأوكرانيون بالأسلحة الأميركية ولم يحدث شيء".
- إحباط أوكراني -
والقضية بالنسبة لكييف جوهرية في ظل الهجوم الروسي في الشمال الذي يهدد خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا.
وإذ كان لدى الجيش الأوكراني عدد أقل من الجنود والذخيرة من عدوه، لكن يمكنه أن يصده بأسلحة حديثة تمنحه الدقة والمدى البعيد.
وأوضح الجنرال البريطاني المتقاعد جيمس إيفيرارد، النائب السابق للقائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في أوروبا، لوكالة فرانس برس أن كييف "تشكو من أن محدودية الحلفاء تسهل قدرة روسيا على التمتع بامتياز استراتيجي وعملياتي وتكتيكي".
ويتم تنسيق الهجوم الروسي من الطرف الآخر للحدود. فموسكو تحرك قواتها وتمتلك منصات اطلاق صواريخ وتقلع طائراتها في ظروف أمنية تحسد عليها.
اشار إيفان كليشتش، الباحث في المركز الدولي للدفاع والأمن في إستونيا، إلى أن كييف تستهدف منذ فترة طويلة المواقع الخلفية للجبهة. واضاف أن الضربات "ضرورية لاستنزاف قوات العدو، وتعطيل الإمدادات والسلاسل اللوجستية واستخدام المدفعية المضادة وتشويش القيادة".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه "هو ما إذا كان ينبغي أيضا تنفيذ هذه الضربات داخل روسيا"، بحسب الباحث.
- عملية متكرّرة -
منذ بداية الحرب، لوحظ التردد الغربي فيما يتعلق بالصواريخ بعيدة المدى والدبابات الثقيلة والطائرات المقاتلة.
وفي كل مرة تطالب كييف بها، يبدي الغرب رفضه، وتشير أوكرانيا بأصابع الاتهام إلى قيادات معينة ينتهي بها الأمر إلى الرضوخ. وفي غضون ذلك يكون الآوان قد فات.
واوضح غويا "بالنظر إلى الماضي، كنا لنقول إنهم لو وافقوا من البداية، لكان الأمر أكثر جدوى"، مشيراً إلى أن "القانون الدولي يجيز للدولة التي تعرضت للهجوم ضرب الدولة المعتدية بشرط احترام القانون الإنساني".
واعرب الجنرال إيفيرارد عن أسفه لأن الزعماء الغربيين "امتنعوا عن المخاطرة وتقيدوا ماليا وجنبوا انفسهم روسيا".
وما يزداد الوضع تعقيداً هو أن حلف شمال الأطلسي لا يملك سلطة القرار بل كل دولة تتعامل بموجب الاتفاقيات الثنائية.
وأكد أن "هذا يولد مجموعة غير متجانسة من الحريات والقيود التي يصعب تفسيرها".
- الخطوة التالية: الجنود -
ويتعلق الملف التالي المطروح على الطاولة بإرسال جنود غربيين إلى أوكرانيا. وطرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القضية للنقاش أواخر شباط بعدم استبعاد هذا الخيار.
ولقي تأييداً في البداية قبل أن ينضم إليه حلفاء، جمهورية التشيك وبولندا ودول البلطيق على وجه الخصوص. ويرى بعض المراقبين أن المسألة لا تنحصر فيما إذا كان سيتم نشر جنود أوروبيين، بل موعد ذلك.
ويرى كليشتش أن "خرق الرئيس ماكرون للمحظورات أدى إلى إضعاف الردع الروسي" مضيفاً أن "حلفاء كثراً يتحدثون الآن عن إحتمال وجود شكل من الوجود البري" لتقديم مساعدة فنية أو للتدريب.
وإذا كان بعض الأوروبيين ينفرون من هذا الخيار، إلا أن العديد من المراقبين يؤيدون الحفاظ على الغموض الاستراتيجي الذي يتمثل في إخفاء ما نضمره عن العدو.
وقال كير جيل، الباحث في مركز تشاتم هاوس البريطاني "إن استبعاد وجود القوات الغربية في أوكرانيا علناً ليس له أي معنى... فمجرد وجود احتمال لذلك هو أحد أكبر مخاوف الكرملين".