أمام حقول قمح شاسعة في شمال شرق سوريا تجوب ياسمين يوسف مدجّجة بسلاحها الطريق ذهاباً وإياباً، بعدما تطوعت مع لجان تابعة للإدارة الذاتية الكردية في حراسة المحاصيل الوفيرة خشية حرائق قد تلتهمها.
وتقول يوسف (42 عاماً) التي ترتدي قميصاً زيتياً وتغطي رأسها بوشاح باللغة الكردية لوكالة فرانس برس "نحن كلجان طوارئ نحمي موسم القمح، ويمتد عملنا من شهر إلى شهرين"، موضحة "مهمتنا خدمة المزارعين وحماية محاصيلهم في هذه المنطقة".
وتضيف: "في حال نشوب الحرائق في منطقة ما، يتم إبلاغنا مباشرة ونحن نتصل بدورنا بسيارات الإطفاء للسيطرة على الوضع بشكل أسرع".
وتطوعت يوسف مع العشرات من سكان منطقة القحطانية شمال شرق الحسكة لمعاونة لجان تابعة للإدارة الذاتية الكردية في حراسة الحقول الزراعية. ويتولى هؤلاء التجول بين البلدات بينما تتوزع سيارات إطفاء في المنطقة تحسّباً لأي طارئ.
في الحقول، يعمل المزارعون كخلية نحل، وتخترق الحصادات البساتين المترامية تحت أشعة شمس حارقة بينما يتصاعد خلفها الغبار. وتسيّر قوى الأمن الداخلي الكردية دوريات بشكل منتظم.
بعد سنوات من الجفاف في شمال شرق سوريا، يترقب السكان حصاداً استثنائياً بفعل هطول أمطار غزيرة هذا العام. لكنّ مخاوف تتملّكهم من احتمال اندلاع حرائق تأتي على محاصيل القمح، على غرار ما جرى مراراً خلال السنوات الماضية.
وأسفرت حرائق اجتاحت في حزيران 2019 حقول قمح امتدت من شرق مدينة القامشلي حتى ريف مدينة الحسكة، عن مقتل عشرة أشخاص على الأقل خلال محاولتهم احتواء النيران، وفق حصيلة أوردها حينها المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتقول يوسف التي تترك عائلتها ومنزلها لساعات "يعتمد السكان بشكل كامل على هذا الموسم، واذا خسرناه ستكون الأوضاع سيئة".
وتشرح أنه في بادئ الأمر، "لم يثق الأهالي بجهودنا وكانوا يقولون +ماذا تفعل هؤلاء النسوة على الطرقات؟+، لكن اليوم الجميع متفقون على ضرورة التكاتف لحماية" أرزاق الناس.
- "مفتعلة" -
ويقول سكان ومسؤولون من الإدارة الذاتية إن الحرائق غالباً ما تكون "مفتعلة"، وليست ناجمة عن عوامل طبيعية أو إهمال. وسبق لتنظيم الدولة الإسلامية أن تبنى قبل سنوات حرق محاصيل زراعية في مناطق نفوذ القوات الكردية، التي شكلت رأس حربة في دحره من مناطق واسعة.
وتتنافس الإدارة الذاتية الكردية والحكومة السورية على شراء محاصيل القمح من المزارعين، والتي تحظى بأهمية استراتيجية لدى الطرفين، كونها توفر احتياجات السكان من الخبز في مناطق نفوذ كل منهما.
على طريق رئيسي قرب القحطانية، تقول رنكين حسن (50 عاماً) بينما تتجول برفقة نساء ورجال مزودين ببنادق مرتدية جعبة عسكرية فوق ثيابها "بعض الأشخاص والأطراف يحاولون حرق الأراضي بشكل مقصود، لكننا لن ندعهم يفعلون" ذلك.
وتضيفك "نترك أبناءنا وأزواجنا لنحمي حقول القمح". وتهيب بالأهالي أن يكونوا "متيقظين وألا يرموا أعقاب السجائر على الطرقات"، مضيفة "أنا لا أملك فداناً واحداً، لكنني آتي يومياً ليحصد المزارعون محاصيلهم من دون حرائق".
ورغم إحصاء السلطات المحلية اندلاع حرائق في مناطق عدة، لكن نطاقها لا يزال محدوداً مقارنة مع السنوات الماضية، وهو ما تردّه حسن الى "تكاتفنا لحماية المحاصيل".
ويتوقع المزارعون محاصيل قمح وفيرة هذا العام. وأورد تقرير صدر مؤخراً عن البنك الدولي، أنه بعد الانخفاض التاريخي عام 2022، انتعش الإنتاج الزراعي وسط تحسن في الظروف الجوية. وبلغ مليوني طن متري عام 2023 مقارنة بمليون طن متري في العام السابق.
وتنسّق قوى الأمن الداخلي الكردية، مع المتطوعين من نساء ورجال ولجان الطوارئ دوريات الحراسة. ويناشدون السكان عدم إشعال النيران قرب حقول القمح.
ويعمل المتطوعون وسط درجات حرارة مرتفعة وتحديات عدة بينها هجمات مباغتة تشنها خلايا تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية حيناً وضربات تركية تطال القوات الكردية، التي تقود قوات سوريا الديموقراطية المدعومة أميركياً.
وتقول عطية حسن (50 عاماً) التي لوّنت أشعة الشمس محياها لفرانس برس "نحن هنا لنمنع المرتزقة من حرق الأراضي ونحمي أنفسنا".
وتضيف بينما ترتدي ثوباً أبيض مزيناً بورود "يشعر الناس بسعادة عند رؤيتنا... ونحن فخورون بجهودنا رغم كل الظروف القاهرة".