الهيدروجين الأخضر.
باولا عطية
تُعدّ المملكة العربية السعودية واحدة من الدول الرائدة في قطاع الطاقة عالمياً، حيث اشتهرت لعقود طويلة بكونها أكبر منتج ومصدّر للنفط في العالم.
ومع التوجه العالمي نحو التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة والبحث عن بدائل نظيفة ومستدامة، بدأت المملكة تسعى لتنويع مصادرها الاقتصادية وتحقيق الاستدامة البيئية من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة الخضراء.
في هذا السياق، برزت مشاريع الهيدروجين الأخضر كواحدة من الركائز الأساسية لرؤية السعودية 2030، الهادفة إلى تقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد، لتوفير 50 في المئة من حاجاتها من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2030.
يُعدّ الهيدروجين الأخضر، الناتج عن التحليل الكهربائي للماء باستخدام الطاقة المتجددة، حلاً واعداً لمستقبل الطاقة النظيفة. وقد خطت المملكة خطوات كبيرة في هذا المجال من خلال إطلاق مبادرات ومشاريع طموحة تهدف إلى جعل السعودية مركزاً عالمياً لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر. تأتي هذه الجهود في إطار التزام المملكة بتقليل الانبعاثات الكربونية وصولاً إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060، ومواجهة التحديات البيئية العالمية، ما يعزز دورها الفاعل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على الصعيدين المحلي والدولي.
وكشفت دراسة جديدة، نُفّذت بتكليف من مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)، أنّ إمكانيات الطاقة المتجددة الهائلة واحتياطيات الغاز الطبيعي في السعودية ستدعم المملكة في إنتاج بعض أرخص أنواع الهيدروجين الأخضر والأزرق على مستوى العالم، حيث تمتلك السعودية موارد ضخمة من الغاز الطبيعي. ففي عام 2020، احتلت السعودية المركز السادس عالمياً كمنتج للغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران وقطر والولايات المتحدة، وتركمانستان.
وفي هذا الإطار تشرح الخبيرة في شؤون الطاقة، المحامية كريستينا أبي حيدر، في حديثها لـ"النهار" أنّ "تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر تختلف بناءً على عوامل عدة، منها تكلفة الطاقة المتجددة المستخدمة، كفاءة تقنيات التحليل الكهربائي، تكاليف البنية التحتية، ونفقات التشغيل والصيانة. أمّا في السعودية، فمن المتوقع أن تكون تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر منخفضة نسبياً مقارنة ببقية الدول نظراً لتوافر مصادر الطاقة الشمسية بكثرة وبأسعار تنافسية.
وحسب التقديرات الحديثة، يمكن أن تراوح تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في السعودية بين 1.48 إلى 2 دولار أميركي لكل كيلوغرام بحلول عام 2030، مع توقع انخفاض التكاليف مع مرور الوقت وتحسين التقنيات وزيادة الكفاءة التشغيلية".
وأضافت "من المرجح أن تراوح تكلفة شحنه من المنطقة الغربية للمملكة إلى ميناء روتردام في هولندا عبر قناة السويس بين 3.5 و4.5 دولارات لكل كيلوغرام. وتعني تكلفة الشحن المنخفضة من السعودية أن تكلفة استيراد الهيدروجين الأخضر منها ستكون أرخص بكثير لأوروبا من إنتاجه محلياً".
وتؤثر مسألة شحن الهيدروجين في ترجيح أفضلية أسعاره بصورة كبيرة من منطقة إلى أخرى، بحسب قربها وبعدها من الأسواق الأوروبية والآسيوية المرشحة لأن تكون أكبر مستهلكيه عالمياً خلال العقود المقبلة.
من جهته أشار رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في حديثه لـ"النهار" إلى أنّ "ارتفاع الطلب على الهيدروجين الأخضر، يعود إلى التطورات الجيوسياسية حول العالم، التي تسبب تقلبات في سوق الطاقة، خصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، والاضطرابات في البحر الأحمر، وحرب إسرائيل وغزّة. كما هناك توجه عالمي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050-2060، ولذلك تسارعت جهود الدول لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة النظيفة".
وعن الاستراتيجيات الوطنية التي تعتمدها السعودية، لفت يرق إلى أنّ "السعودية تُعدّ من أكثر المناطق أهمّيةً وملاءمة لإنتاج الهيدروجين، إذ تتمتع بأشعة الشمس الوفيرة والمساحات الشاسعة لهبوب الرياح. وتتميز بقربها من الأسواق الرئيسة في آسيا وأوروبا. وحققت صناعة الهيدروجين في السعودية مستوى من التطور في هذا الصدد في الشرق الأوسط. وتخطط المملكة، أكبر منتج للنفط، لأن تصبح أكبر منتج للهيدروجين الأخضر في العالم، عبر استغلال مواردها الهائلة من الشمس والرياح، بحسب مبادرة السعودية الخضراء التي أطلقها وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عام 2021، وهو ما دفعها إلى إنشاء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر عالمياً في مدينة نيوم، باستثمار بلغ 8.4 مليارات دولار".
منذ انطلاقها في عام 2021، تواصل مبادرة السعودية الخضراء العمل على تعزيز جهود حماية البيئة وتسريع رحلة انتقال الطاقة وبرامج الاستدامة لتحقيق أهدافها الشاملة في مجال تعويض وتقليل الانبعاثات الكربونية. وترتكز الخطّة السعودية على تنفيذ أكثر من 80 مبادرة في القطاعين العام والخاص، بحجم استثمارات يزيد عن 188 مليار دولار.
كذلك أطلقت السعودية الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر في عام 2020، التي تستهدف المملكة من خلالها أن تصبح مُصدّراً رئيساً لهذا الوقود المنخفض الكربون. وتستهدف الخطة إنتاج 1.2 مليون طن من الهيدروجين الأخضر، وتلبية 10 في المئة من الطلب العالمي على الهيدروجين، بحلول عام 2030.
ومن أبرز المشاريع التي أطلقتها السعودية في مجال الهيدروجين الأخضر نذكر، أولى تجارب القطارات الهيدروجينية في السعوديّة، التي أعلنت عنها الخطوط الحديدية السعودية (سار)، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023. وسبق هذا المشروع، إعلان شركة أرامكو السعودية، في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، عن خططها للاستثمار في الهيدروجين الأخضر والأزرق، في ظل ابتعاد العالم عن الوقود الملوِّث. وأكّدت أن تطوير سوق الهيدروجين العالمية سيستغرق حتى نهاية هذا العقد على الأقلّ.
ويضخ صندوق الاستثمارات العامة السعودي استثمارات في مشروعات طاقة عالمية عديدة، من بينها مشروع مشترك مع شركتي أكوا باور (ACWA Power) وإير برودكتس (Air Products)، لتطوير مصنع بقيمة 5 مليارات دولار لإنتاج الأمونيا القائمة على الهيدروجين الأخضر في مشروع نيوم شمال غرب البلاد. وستصل سعة المصنع إلى 1.2 غيغاواط، وإنتاجية تلامس 650 طناً من الهيدروجين النظيف سنوياً.