يشحن رجل أعمال من كانساس معدات إلكترونية إلى روسيا عبر أرمينيا أو الإمارات العربية المتحدة، بينما تقوم شركة فرنسية بتزوير شهادات تصدير للالتفاف على العقوبات. فبعد أكثر من عامين من خضوعها لعقوبات غربية، ما زالت روسيا تحصل على سلع يُفترض أنها محظورة.
الأسبوع الماضي كشفت الولايات المتحدة عن عقوبات جديدة تشمل 300 هدف في روسيا وخارجها.
وقالت وزير الخزانة الأميركية جانيت يلين إن "(هذه) الإجراءات تضرب الوسائل المتبقية لهم للحصول على مواد ومعدات دولية، بما في ذلك اعتمادهم على إمدادات حيوية من دول ثالثة".
وقد يكون ذلك غير كاف.
وقالت المحامية لدى مؤسسة براين كيف ليتون بيزنر للقانون الدولي كلير لافارد لوكالة فرانس برس "للأسف عندما يرغب أشخاص في ارتكاب عمليات احتيال، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لكنهم ينجحون".
فُرضت أول مجموعة من العقوبات على روسيا عقب ضمها القرم من أوكرانيا في 2014. وشدد الغرب الإجراءات بعد غزو موسكو جارتها في شباط 2022.
غير أن اقتصاد روسيا صمد وسجل نموا بنسبة 5,4 بالمئة في الربع الأول من العام، فيما تعززت علاقاتها التجارية مع آسيا والشرق الأوسط.
ويقول عدد من قادة قطاع الأعمال إنهم لا يستطيعون دائما التحكم في المكان الذي تنتهي فيه منتجاتهم في سلسلة التوريد.
وقال مسؤول تنفيذي في إحدى الشركات الأوروبية المصنعة للآلات الدقيقة طالبا عدم الكشف عن هويته "لسنا بالضرورة ساذجين، ولكن ليس هناك ما يمكننا القيام به".
وأضاف أن من أجل الحماية القانونية "نصحَنا محامونا بأن يوقع جميع عملائنا في أنحاء العالم على وثيقة يتعهدون بموجبها عدم بيع منتجاتنا إلى روسيا وبيلاروسيا وإيران".
وقالت لافارد التي تقدم مؤسستها المساعدة لمجموعات الأعمال المصرفية والسلع الفاخرة والتكنولوجيا الفائقة لمعرفة الجهات التي لا يزال بإمكانهم العمل معها "يمكن تخيّل ضبط عملية إعادة التصدير الأولى، ولكن ليس العاشرة".
ورغم ضوابط التصدير، فإن روسيا "لا تزال قادرة على استيراد كميات كبيرة من السلع اللازمة للإنتاج العسكري"، وفقا لتقرير صدر في كانون الثاني عن كلية الاقتصاد في كييف ومجموعة العمل الدولية يرماك- ماكفول المعنية بالعقوبات الروسية.
وقال التقرير إن واردات موسكو من "سلع ساحة المعركة" و"المكونات الحيوية" تضررت عقب الغزو لكنها تعافت في النصف الثاني من 2022 "حيث تمكنت روسيا من تكييف سلاسل التوريد".
بلغت الواردات الروسية من "سلع ساحة المعركة" 932 مليون دولار (868 مليون يورو) بين كانون الثاني وتشرين الأول 2023، أي أقل ب10% فقط عن فترة ما قبل العقوبات.
وأظهرت بيانات جمعها إريك دور مدير معهد الدراسات الاقتصادية في كلية آيسيغ (IESEG) للإدارة ومقرها فرنسا، أن صادرات الاتحاد الأوروبي إلى روسيا من 50 "سلعة ذات أولوية عالية"، مثل أشباه الموصلات والدوائر المتكاملة، انخفضت بنسبة 95% بين تشرين الأول 2022 وأيلول 2023 مقارنة بنفس الفترة في 2020- 2021.
وفي الوقت نفسه توصلت الدراسة إلى أن صادرات الاتحاد الأوروبي من مثل هذه السلع إلى الجمهوريات السوفياتية السابقة وتركيا والإمارات العربية المتحدة ارتفعت بشكل كبير.
وقد ارتفعت هذه المعدلات أكثر من ثلاثة أضعاف بالنسبة لكازاخستان وأربعة أضعاف بالنسبة لأرمينيا وبنحو 1700% بالنسبة لقيرغيزستان.
وقال دور لوكالة فرانس برس إن "هناك نمطا"، مضيفا أن "من الواضح" أن هذه البضائع يُعاد تصديرها إلى روسيا.
- دول ثالثة -
في كانون الاول أقر رجل الأعمال من كانساس سيريل غريغوري بويانوفسكي (60 عاما) بالذنب في ضلوعه في "مخطط طويل الأمد لتهريب معدات الكترونيات طيران أميركية متطورة إلى روسيا، على ما قال مساعد المدعي العام ماثيو أولسن آنذاك.
وبعد تشديد واشنطن العقوبات في 2022، قام بويانوفسكي ومتواطئون معه بشحن بضائع إلى روسيا من خلال شركات وسيطة في أرمينيا وقبرص ودولة الإمارات.
وقدموا شهادات تصدير مزورة واستخدموا حسابات مصرفية أجنبية في أرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وقبرص ودولة الإمارات لتحويل الأموال من الزبائن الروس إلى شركة كانروس المملوكة من بويانوفسكي.
في فرنسا داهمت سلطات الجمارك في أيار شركة مجهولة في منطقة باريس متخصصة بحسب وزارة الاقتصاد "في تصدير بضائع بشكل غير قانوني إلى روسيا".
وفي 2023، قدمت الشركة مئات الشهادات الجمركية المزورة التي سمحت بشحن بضائع إلى روسيا بقيمة عشرات ملايين اليوروهات لعشرات "المصدرين المخادعين".
وتقوم الهيئات الناظمة الوطنية بتكثيف عمليات التدقيق.
وزاد مكتب تنفيذ العقوبات المالية في المملكة المتحدة عدد موظفيه ثلاث مرات منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي السويد قالت وزارة الخارجية إن المفوضية الأوروبية أبلغتها أن بعض الشركات الكبرى "قد تكون التفت على العقوبات من خلال دول ثالثة، إما عن طريق شركات متفرعة أو مقاولين من الباطن أو جهات أخرى".
ونفت شركة الاتصالات العملاقة إريكسون التهرب من عقوبات الاتحاد الأوروبي مؤكدة أنه في حال "توريد أي من معداتها إلى روسيا، فإن ذلك لن يكون من خلال إريكسون إنما من خلال بعض الأسواق الثانوية".
وقالت مجموعة فولفو المصنعة للشاحنات أيضا إنه إذا انتهى الأمر بأي سلع من إنتاجها في روسيا، يكون قد "تم تصديرها من جانب أطراف أخرى".
- هل نبلغ؟ -
قال تيد داتا رئيس قسم الامتثال لمكافحة الجرائم المالية في مؤسسة موديز أناليتيكس إنه يتعين على الشركات أجراء عمليات تدقيق أكثر شمولا لتتبع بضائعها من خلال سلاسل التوريد.
وأضاف أنه يتعين على الشركات أن تسأل نفسها "إذا ارتفع حجم التجارة فجأة إلى أوزبكستان أو دولة ثالثة مجاورة أخرى، أو برزت تعاملات متوجهة إلى مولدافيا، فهل نبلغ الهيئات الناظمة عن هذه المخاطر؟".
ويتعين على المؤسسات ان تتحقق من أن شركاءها غير مدرجين ضمن اللوائح السوداء الغربية، والتأكد من أن العقود في المشاريع المشتركة مع الشركات الروسية الممنوحة قبل فرض العقوبات، يمكن استكمالها بشكل قانوني.
وقال محام أوروبي يساعد العملاء على دراسة مثل هذه السيناريوهات على أساس كل حالة على حدة، إنه يضمن امتثالهم للقواعد.
لكن ليس كل الشركات الغربية تلتزم بالقواعد، فبعضها يفتح مصانع جديدة في دول ثالثة لتصدير منتجات إلى روسيا، على ما قال المحامي طالبا عدم الكشف عن اسمه.
وأضاف "بل أن إثبات الأمر بالنسبة الى السلطات هو أكثر صعوبة، لأن هيكل هذه المعاملات يتم بطريقة معقدة".
وما يزيد من التعقيد أن بعض المنتجات يتم تفكيك أجزاؤها.
وقالت كلية آيسيغ (IESEG) إنه يشتبه في أن روسيا تستخدم المكونات الإلكترونية لغسالات الملابس أو غسالات الأطباق.
بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي من غسالات ملابس إلى كازاخستان 1,6 مليون يورو بين عامي 2020 و2021، وفقا لآيسيغ. وارتفع المبلغ إلى أكثر من 18 مليون يورو بعد ذلك بعامين، أي بزيادة قدرها 1310 بالمئة.