يسعى سعيد جليلي، أحد الموالين بشدة للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية في إيران إلى حل المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد من خلال الالتزام الصارم بالمُثل المحافظة للثورة الإسلامية عام 1979.
وتعرض جليلي لهزيمة بفارق ضئيل في الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت أمس الجمعة أمام المرشح المعتدل مسعود بزشكيان، لكنّ الرجلين سيمضيان إلى مواجهة في جولة ثانية مقررة في الخامس من تمّوز لأن بزشكيان لم ينجح في تجاوز نسبة 50 في المئة من الأصوات اللازمة لحسم نتيجة الانتخابات.
يصف الدبلوماسي السابق جليلي نفسه بأنه مؤمن ملتزم بولاية الفقيه، وهو مفهوم يتلخص في جمهورية يحكمها أكثر الفقهاء تفقها في الشريعة الإسلامية ويوفر الأساس لمنصب الزعيم الأعلى الإيراني.
ويبدو أن دفاعه القوي عن الثورة الإسلامية التي اندلعت قبل 45 عاماً كان يهدف إلى جذب الناخبين المحافظين والمتدينين من ذوي الدخل المنخفض، لكنه لم يجذب كثيرا الشبان وسكان المناطق الحضرية المحبطين من القيود المفروضة على الحريات السياسية والاجتماعية.
وكان جليلي (58 عاما)، كبير المفاوضين النوويين السابق، واحداً من أربعة مرشحين في الانتخابات لخلافة إبراهيم رئيسي الذي لقي حتفه في حادث تحطّم طائرة هليكوبتر في أيار.
وهو حاليّا عضو في هيئة تتوسّط في النزاعات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور الذي يفحص المرشحين للانتخابات ويقرر مدى أهليتهم السياسية والإسلامية للفوز بالترشح.
وقال محللون إن تقدم جليلي، وهو مناهض قوي للغرب، إلى الجولة الثانية يشير إلى احتمال حدوث تحول أكثر عدائية في السياسة الخارجية والداخلية للجمهورية الإسلامية.
والسياستان الخارجية والنووية من اختصاص خامنئي الذي يتولى القيادة العليا للقوات المسلحة ويتمتع بسلطة إعلان الحرب ويعين كبار المسؤولين ومنهم قادة القوات المسلحة ورؤساء الهيئات القضائية ووسائل الإعلام الحكومية.
غير أن بإمكان الرئيس التأثير في نهج البلاد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والداخلية.
وتقول مصادر مطلعة ومحللون إن خامنئي (85 عاما) يطمح إلى فوز رئيس للبلاد شديد الولاء له وقادر على إدارة الأعمال اليومية للحكومة حتى يكون حليفا موثوقا يمكنه ضمان الاستقرار وصولا إلى من سيخلفه في منصب الزعيم الأعلى.
نهج شديد الصرامة
يعارض جليلي الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى الكبرى عام 2015 بعد أن تفاوضت حوله من الجانب الإيراني مجموعة من المسؤولين البراجماتيين المنفتحين على الوفاق مع الغرب.
وسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018 وأعاد فرض عقوبات أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل. وتخبو آمال إحياء الاتفاق مع احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني وفوز جليلي المحتمل في الانتخابات.
وشغل جليلي قبل الاتفاق النووي منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين لمدة خمس سنوات اعتبارا من عام 2007، وهي الفترة التي اتبعت فيها طهران نهجا تصادميا شديد الصرامة في المناقشات مع القوى العالمية حول برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
وأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تلك السنوات ثلاثة قرارات ضد إيران في حين أخفقت عدة محاولات لحل الخلافات.
وتعرض جليلي خلال الحملة الانتخابية الحالية لانتقادات شديدة في مناظرات على التلفزيون الحكومي من مرشحين آخرين بسبب موقفه المتشدد إزاء الملف النووي ومعارضته لتوقيع طهران على اتفاقين بشأن الجرائم المالية أوصت بهما فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي هيئة دولية لمراقبة هذا النوع من الجرائم.
ويرى بعض غلاة المحافظين، مثل جليلي، أن من شأن قبول الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية أن يعوق دعم إيران لوكلائها شبه العسكريين في جميع أنحاء المنطقة، ومنهم جماعة حزب الله اللبنانية.
أحد أبناء الثورة
يطمح جليلي لشغل منصب الرئيس منذ سنوات. واحتل المركز الثالث في السباق الرئاسي عام 2013، وتقدم مرة أخرى في عام 2021 لكنه انسحب في النهاية لدعم رئيسي.
ولد جليلي في مدينة مشهد المقدسة لدى الشيعة في عام 1965، وفقد ساقه اليمنى في الثمانينات في القتال خلال الحرب الإيرانية العراقية وانضم إلى وزارة الخارجية في عام 1989. وعلى الرغم من آرائه المتشددة، فإنه يتحدث بأسلوب هادئ.
وحصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة الإمام الصادق، مركز تدريب القادة الإيرانيين. وبحسب سيرته الذاتية التي كانت منشورة لفترة على موقع وزارة الخارجية الإلكتروني، كان عنوان الرسالة "السياسة الخارجية لنبي الإسلام".
وعمل جليلي في مكتب خامنئي لمدة أربع سنوات بدأت في 2001.
وعندما انتخب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد رئيسا في عام 2005، اختار جليلي مستشاراً له ثم عينه في غضون شهور نائبا لوزير الخارجية.
وتولى جليلي في عام 2007 منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وهو المنصب الذي جعله تلقائيا كبير المفاوضين النوويين.