بدأت عمليات التصويت الأحد في البر الفرنسي في الدورة الأولى من انتخابات تشريعية يواجه الناخبون فيها خيارا تاريخيا، إذ قد تفتح الطريق أمام اليمين المتطرف للوصول إلى السلطة بعد أسبوع.
وبعد بدء الاقتراع في بعض مناطق ما بعد البحار السبت، فتحت مراكز التصويت الأحد الساعة 8,00 (6,00 ت غ) في فرنسا القارية، وبلغت نسبة المشاركة ظهرا 25,90 في المئة، وفق وزارة الداخلية التي أشارت إلى أن المعدّل يعكس ارتفاعا كبيرا.
وقال جوليان مارتان المهندس البالغ 38 عاما لوكالة "فرانس برس" في بوردو (جنوب غرب: "ليست هذه انتخابات سهلة، النتائج تحمل غموضا كبيرا، والتبعات على المجتمع يمكن أن تكون خطيرة".
وصرحت أميليا، وهي رسامة قدمت للإدلاء بصوتها في الصباح: "إنني قلقة جدا، لا أفهم ما يجري، لماذا وصلنا إلى هنا؟".
كما خيمت أجواء من القلق والبلبلة في ليون وسط شرق فرنسا.
وقالت كريستيان المتقاعدة البالغة 73 عاما: "إننا خائفون من المستقبل" معتبرة أن هذه الانتخابات "حاسمة حقا، هناك خيارات لا نودّها".
وعمد بعض التجار في وسط المدينة إلى حماية واجهات محلاتهم المغلقة الأحد، خشية حصول عمليات تخريب.
وقصد عدد من السياسيين مراكز الاقتراع باكرا، وبينهم رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا (28 عاما) الذي يتصدر حزبه اليميني المتطرف كل استطلاعات الرأي، والذي أدلى بصوته في المنطقة الباريسية، فيما صوتت مارين توندولييه زعيمة الخضر وإدوار فيليب رئيس الوزراء السابق في حكومة ماكرون في شمال البلاد.
وتستمر عمليات التصويت حتى الساعة 18,00 (16,00 ت غ) وصولا إلى الساعة 20,00 في المدن الكبرى، على أن تظهر عندها النتائج الأولية لهذا الاستحقاق الذي قد يحدث انقلابا حقيقيا في المشهد السياسي الفرنسي.
ويحظى حزب التجمع الوطني برئاسة بارديلا (28 عاما) بـ34 إلى 37% من نيات الأصوات في استطلاعات الرأي، مما قد يفضي إلى سيناريو غير مسبوق مع حصوله على غالبية نسبية أو مطلقة بعد الدورة الثانية في السابع من تموز (يوليو).
وتشير استطلاعات الرأي التي يترتب النظر إليها بحذر نظرا الى ضبابية الوضع، إلى أن التجمع الوطني يتقدم على تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري الذي يجمع ما بين 27,5 و29% من نيات الأصوات، والغالبية الرئاسية الحالية من وسط اليمين التي تحصل على 20 إلى 21%.
وفي حال وصل بارديلا إلى رئاسة الحكومة، فستكون هذه المرة الأولى التي تحكم فيها فرنسا حكومة منبثقة من اليمين المتطرف، منذ الحرب العالمية الثانية.
وخلاف ذلك، ثمة خطر حقيقي يكمن في أن تكون لفرنسا جمعية وطنية متعثرة، من دون احتمال تشكيل تحالفات بين معسكرات شديدة الاستقطاب، وهو ما يهدد بإدخال فرنسا في المجهول.
وأحدث الرئيس إيمانويل ماكرون زلزالا سياسيا حقيقيا في التاسع من حزيران (يونيو) حين أعلن فور تبين فشل تكتله في انتخابات البرلمان الأوروبي، حلّ الجمعية الوطنية، في رهان محفوف بالمخاطر كان له وقع الصدمة في فرنسا والخارج.
وعلى رغم تبايناته الداخلية، نجح اليسار خلال الأيام التالية في بناء ائتلاف.
لكن الخلافات بين حزب "فرنسا الأبيّة" اليساري الراديكالي وشركائه الاشتراكيين والبيئيين والشيوعيين، خصوصاً على شخص زعيمه جان لوك ميلانشون، المرشح السابق للرئاسة، سرعان ما ظهر مجددا وغالبا ما ألقى بظلّه على حملة التكتل.
في هذه الأثناء، واصل التجمع الوطني زخمه في حملة ركّزها على القدرة الشرائية وموضوع الهجرة، من غير أن تتأثّر لا بالغموض حول طرحه إلغاء إصلاح نظام التقاعد الذي أقره ماكرون، ولا بالسجال الذي أثارته طروحاته حول إقصاء المزدوجي الجنسية من "الوظائف الإستراتيجية"، ولا بالتصريحات الجدلية الصادرة عن مرشحين من صفوفه.
مشاركة قوية
لكن هل يخالف الفرنسيون توقعات استطلاعات الرأي في ختام حملة خاطفة لم تستمر سوى ثلاثة أسابيع؟
في ظل انفعال كبير يعمّ البلاد، سجلت نسبة المشاركة في البر الفرنسي ارتفاعا كبيرا ببلوغها 25,90% من الناخبين المسجلين بحلول الساعة 12,00 (10,00 ت غ)، بالمقارنة مع 18,46% في الساعة نفسها من الانتخابات السابقة عام 2022.
وتشير التقديرات إلى أن النسبة قد تصل في نهاية المطاف إلى حوالى 67% من أصل نحو 49 مليون ناخب مسجّل، بزيادة كبيرة عن نسبة 47,51% المسجلة في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية عام 2022.
وسجل أكثر من 2,6 مليون طلب تصويت بالوكالة منذ العاشر من حزيران بحسب وزارة الداخلية، وهو عدد يفوق بأربع مرات العدد خلال فترة مماثلة قبل سنتين.
وفي كاليدونيا الجديدة حيث أغلقت مراكز الاقتراع، سجلت نسبة المشاركة ارتفاعا كبيرا إلى 32,4% عند الظهر مقارنة مع 13,06% في 2022، وسط توتر شديد في الأرخبيل الواقع في المحيط الهادئ، بعد أعمال شغب شهدها إثر التصويت في باريس على إصلاح للنظام الانتخابي رفضه الانفصاليون.
كما سجلت مشاركة قوية عند الظهر بالتوقيت المحلي في بولينيزيا، بلغت 18% في مقابل 15,8% في 2022.
غير أنه قد يكون من الصعب استخلاص العبر من الدورة الأولى لارتباطها بعوامل كثيرة غير محسومة.
وفي طليعة هذه العوامل الارتفاع الكبير المرتقب في عدد الدوائر التي سيتأهل فيها ثلاثة مرشحين للدورة الثانية، وعدد المرشحين الذين سينسحبون خلال فترة ما بين الدورتين، في حين تراجع على مرّ السنوات الاندفاع إلى تشكيل "جبهة جمهورية" تقف في وجه اليمين المتطرف.
"وضوح تام"
ويواجه معسكر الغالبية الرئاسية الحالية أكبر قدر من الضغوط، بعدما انتخب ماكرون رئيسا في 2017 و2022 متحصّنا بضرورة تشكيل حاجز أمام اليمين المتطرف.
ووعد الخميس بـ"بوضوح تام" في تعليمات التصويت للدورة الثانية في حال المنازلة بين الجبهة الوطنية واليسار، لكنه كان حتى الآن يبدي ميلا بالأحرى إلى نهج "لا للجبهة الشعبية ولا لفرنسا الأبية" الذي يقابَل بتنديد من اليسار وانتقادات حتى داخل تكتله.
ومن المقرر أن يجمع ظهر الإثنين رئيس الوزراء غابريال أتال وأعضاء حكومته في قصر الإليزيه، للبحث في مسألة انسحاب مرشحين والإستراتيجية الواجب اعتمادها في وجه التجمع الوطني.
وتجري هذه الانتخابات بعد سنتين لم يكن في خلالهما للتكتل الرئاسي سوى غالبية نسبية في الجمعية الوطنية، نما أرغم الماكرونيين على البحث عن حلفاء كلّما أرادوا طرح نصّ، أو حتى استخدام بند في الدستور سمح لهم بتمرير الميزانيات وإصلاح النظام التقاعدي من دون عمليات تصويت.
ومع فوز التجمع الوطني في الانتخابات الأوروبية بحصوله على 31,4% من الأصوات في مقابل 14,6% للمعسكر الماكروني، تسارعت الأحداث دافعة الرئيس إلى اتخاذ خيارات تضعه أمام سيناريو "تعايش" مع بارديلا.
وعرفت فرنسا في تاريخها الحديث ثلاث حقبات من التعايش بين رئيس وحكومة من توجهات مختلفة، في عهد فرنسوا ميتران (1986-1988 و1993-1995) وفي عهد جاك شيراك (1997-2002).