النهار

ما هي اتّجاهات اليمين المتطرّف الاقتصاديّة؟
المصدر: "النهار"
ما هي اتّجاهات اليمين المتطرّف الاقتصاديّة؟
تظاهرة في فرنسا (أ ف ب).
A+   A-
باريس - سمير تويني

أظهرت النتائج بعد الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية فوز حزب التجمّع الوطنيّ - اليمين المتطرّف بزعامة مارين لوبين بالجولة الأولى، وسجّل نسبة ٣٤ في المئة من الأصوات، وحصلت الجبهة الشعبية بقيادة جان لوك ميلونشون على ٢٩ في المئة،؜ فيما حصل الخاسر الأكبر معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون على ٢١،٥ في المئة من الناخبين. لكنّ النتائج النهائية تنتظر الدورة الثانية الأحد المقبل حيث ستكون المجابهات شرسة بين الأطراف لمنع وصول اليمين المتطرّف إلى أبواب السلطة، إذ تتوقّع الاستطلاعات فوزه بأغلبية نسبية كبيرة في الجمعية الوطنية وربما أغلبية مطلقة. فسارع الرئيس ماكرون إلى الدعوة إلى تجمّع كبير ديمقراطيّ وجمهوريّ للجولة الثانية لتجنّب هذا الخطر.

وارتفع اليورو نحو ٠،٨ في المئة؜ كإشارة أوليّة فيما كان انخفض منذ أن دعا الرئيس الفرنسيّ إلى حلّ الجمعية الوطنية.

اتجاهات اليمين المتطرّف الاقتصادية تشمل مجموعة من المواقف السياسية أعلن عنها رئيس الحزب جوردان بارديلا خلال الحملة الانتخابية، وهي ترتكز على الحماية الاقتصادية والحدّ من الهجرة وتعزيز الهوية الوطنية وتخفيض سنّ التقاعد.
ويشير عدد من الخبراء الاقتصاديين إلى أنّ جوردان بارديلا أعلن عن تفضيله سياسة اقتصادية تحمي الصناعات الوطنية من المنافسة الخارجية من خلال فرض قيود على التجارة الحرّة وزيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة لجعلها أقلّ تنافسية مقارنة بالمنتجات المحلية والحدّ من الاستيراد، واستخدام الضرائب والإجراءات الجمركية الأخرى لمنع إغراق السوق بمنتجات رخيصة الثمن من الخارج وتعزيز الإنتاج المحلّيّ. كما سيعمل على تحديد كمية معيّنة من المنتجات التي يمكن استيرادها خلال فترة زمنية لتقليل الاعتماد على الواردات وحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبيّة.

ودعا إلى سيادة اقتصادية لاستعادة السيطرة الوطنية على السياسات الاقتصادية والنقدية، وهو يعارض التدخّلات الاقتصادية من قبل الاتّحاد الأوروبيّ.

ومن أهمّ شعارات اليمين المتطرّف تقليص الهجرة وربطها بالبطالة، حيث يعتبرون أنّ حدّ الهجرة سيزيد فرص العمل للمواطنين الفرنسيين. وفي هذا السياق سيقوم بتشديد قوانين الهجرة واللجوء السياسيّ إلى فرنسا.

ومن ضمن الشعارات التي رفعها دعم الشركات المحلية وخاصّة تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية لتتمكّن من مجابهة التصدير الخارجيّ، وفي هذا السياق يطالب بتشجيع الإنتاج المحلّيّ والاستهلاك الوطنيّ.
ويمكن للحكومة تقديم إعانات ودعم ماليّ للشركات المحلية خاصّة التي تواجه صعوبات في منافسة الشركات الأجنبية،  وقد تشمل تخفيضات ضريبية وقروض ميسّرة أو موارد بأسعار مدعومة. ويمكن فرض معايير صارمة على المنتجات المستوردة،  وقد تكون عائقاً أمام دخول السلع الأجنبية إلى السوق ما يعزّز فرص المنتجات الوطنية. وسيتمّ الترويج للصنع في فرنسا كوسيلة للاستهلاك المحلّيّ.

وستقوم الدولة بالاستثمار في الصناعات الإستراتيجيّة مثل الزراعة والطاقة والتكنولوجيا لتحقيق الاكتفاء الذاتيّ في القطاعات الحيوية.

والتجمّع الوطني يطالب بمكافحة العولمة أي انتقاد الشركات الضخمة المتعدّدة الجنسيات وسياسة العولمة التي أدّت بالنسبة إليه إلى نقل العديد من الوظائف إلى الخارج من خلال تقديم مساعدات إلى الشباب للعمل في فرنسا، أي سياسات تدعم الاقتصاد الوطنيّ والمجتمعات المحلية.

وسيعيد تقييم التفاوض التجاريّ على الاتفاقيات الدولية والأوروبية بما يخدم مصالح الاقتصاد الوطنيّ، وقد يشمل اتفاقيات تجارية يعتبرها اليمين المتطرّف غير عادلة أو مضرّة بالاقتصاد الفرنسيّ.

أمّا بالنسبة إلى الإصلاحات الاجتماعية فالتجمّع يدعو إلى تخفيض الإنفاق الحكوميّ على البرامج الاجتماعية بهدف تقليل العبء الضريبيّ على الفرنسيين. ويطالب بإعادة توجيه الموارد نحو القطاعات التي يعتبرونها أكثر أهمية للأمن الوطنيّ والاقتصاديّ.

ويدعو المشروع إلى زيادة الإنفاق على الأمن والجيش لتعزيز القوّات العسكرية وتحسين الأمن الداخليّ من خلال زيادة عدد أفراده وتحسين تجهيزاتهم.

ويعتبر الخبراء أنّ هذه الاتّجاهات تعكس مزيجاً من السياسات الاقتصادية الحمائية والقومية التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على العولمة وتعزيز السيادة الاقتصادية الوطنية.


ويوجّهون إلى المشروع انتقادات عديدة خاصّة وأنّ الدعم سيكون مكلفاً للخزينة لأنّها تشمل تخفيضاتٍ للضرائب وإعاناتٍ وقروضاً ميسّرةً ودعماً ماليّاً مباشراً، كما وأنّ ذلك سيرتدّ على المستهلكين لأنّ فرض رسوم جمركية على الواردات سيؤدّي إلى ارتفاع أسعار السلع وتكلفة المعيشة للمستهلكين. وسيقلّل الخيارات وتنوّع المنتجات المتاحة. أمّا الشركات المحلية التي تحصل على حماية ودعم حكوميّ فقد تقلّل حوافزها لتحسين الكفاءة والابتكار، وسيؤدّي إلى تراجع القدرة التنافسيّة على المدى الطويل.

وهذا المشروع سيؤدّي إلى تراجع النموّ الاقتصاديّ لأنّ تقليل التجارة الخارجية يؤدّي إلى تباطؤ النموّ الاقتصاديّ بسبب تقليل الكفاءة الإجمالية للاقتصاد، ونقص الاستثمار الأجنبيّ والحماية الاقتصادية قد يجعل فرنسا أقلّ جاذبية للاستثمار الأجنبيّ ما يقلّل من تدفّق رأس المال ويؤثّر سلباً على النموّ الاقتصاديّ والتوظيف.

وفرض سياسة حمائية يمكن أن يؤدّي إلى نشوب حروب تجارية من خلال إجراءات مماثلة من دول أُخرى ما يؤدّي إلى انخفاض حجم الصادرات، وعلى الصناعات المعتمدة على التصدير.

غير أنّ تقليص الهجرة سيؤدّي إلى تأثير سلبيّ على العمالة في بعض القطاعات التي تعتمد على العمّال المهاجرين، مثل الزراعة والبناء.

أمّا بالنسبة إلى زيادة الإنفاق على الأمن والجيش فتصل إلى مليارات اليورو سنويّاً ويتطلّب ميزانية كبيرة.

غير أنّ السياسة الاقتصادية لليمين المتطرّف تطوّرت بشكل إيجابي إذ لم يعد يطالب بالعودة إلى العملة الوطنية والخروج من أوروبا، ولم تعد تخيف الوسط الاقتصاديّ لأنّها تتطوّر في أنّ تنفيذها يحتاج إلى أكثر من ١٠٠ مليار يورو، وهذا غير متوفّر حاليّاً في الخزينة الفرنسيّة.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium