قبرص: خمسون عاماً على الغزو التركي 1974-2024 (3 من 3) الحرب الأهلية القبرصية

الدكتور كمال ديب – كنداتبيّن أنّ هدف اتفاق لندن الذي رعته الدول الثلاث – بريطانيا واليونان وتركيا – كان تقاسماً للنفوذ وليس منح قبرص الاستقلال، وأن الدستور المفروض من الخارج كان قنبلة موقوتة انفجرت حرباً أهلية دامت عشر سنوات. كان الرئيس مكاريوس يدرك أنّ الدول الثلاث ليست ضامنة لاستقلال قبرص بل هي قناع للهيمنة الخارجية وإبقاء قبرص ساحة نفوذ. وفي 1963، ردّاً على انفجار التعديل الدستوري في وجهه، عزم على تحقيق استقلال قبرص الحقيقي وعلى نيّته إلغاء اتفاق لندن. وإذ اتهمته الدول الضامنة بأنّه يريد دستوراً على حساب القبارصة الأتراك، استعرت الاشتباكات وتعمق الفصل الطائفي في المناطق المختلطة. فحيث وُجدت الأكثرية العددية لمصلحة القبارصة اليونانيين أُجبر القبارصة الأتراك على الفرار. وحيث كانت الأحياء التركية محصّنة ومعسكرة، هاجم المسلحون الأتراك منازل اليونانيين ومؤسساتهم وأجبروهم على النزوح. ولكن لأنّ القبارصة اليونانيين كانوا الأغلبية في قبرص ككل، حاولوا التقدّم للسيطرة على الجزيرة كلها. فحذّرت تركيا من الغزو وزادت اليونان وجودها العسكري في الجزيرة. في شباط 1964، أرسل مجلس الأمن الدولي قوات سلام دولية (UNICYP) ومبعوثاً للتوسّط، فأكّد له مكاريوس أنّه لن يتراجع عن الإصلاح. ثم أجرى مكاريوس اتصالات بدول منظمة عدم الانحياز والاتحاد السوفياتي والصين والكتلة الشرقية لدعم موقفه، وهو ما أثار غضب الولايات المتحدة ضده، هي التي كانت تميل الى مصالح اليونان وتركيا العضوين في الحلف الأطلسي. فأخذ الإعلام الغربي يهاجم مكاريوس ويصفه بأنّه المطران الأحمر - أي شيوعي - في وقت كانت اليونان المنسجمة مع الموقف الأميركي تعتبره على خطأ لأنّ سياسته تقوّي الشيوعية. وأرسلت فصائل مسلحة إلى قبرص في حزيران 1964، وهيمنت على الحرس الوطني القبرصي إضافة إلى وحدات الجيش اليوناني المرابط في قبرص. ووصل وزير خارجية أميركا دين آتشيسون في تموز 1964 إلى نيقوسيا لإقناع مكاريوس بخطة مثلثة تقضي بضم قبرص إلى اليونان وإقامة منطقة عسكرية لتركيا، إضافة إلى قواعد بريطانيا، فيتم جمع القبارصة الأتراك في كانتونات تتمتّع بالحكم الذاتي. ورفض مكاريوس العرض. استمرت الحرب في الجزيرة التي باتت تحت رحمة الصراع الدولي والإقليمي وأخذت الميليشيات التي زرعتها اليونان...