يعود اسم أمبراطور الإعلام الفرنسي فانسان بولوريه إلى الأضواء بعد النجاح الذي أحرزه اليمين المتطرّف في فرنسا. هذا النجاح الذي أسس له الملياردير الفرنسي قبل 15 عاماً، عندما جمع القيادات الحزبية ووضعهم أمام خيارين: سيطرة المهاجرين على البلد وتغيير ثقافته وإرثه التاريخي أو تشكيل تكتّل من اليمين القديم والمستحدث لمواجهة التطرّف ولاسيّما الآتي من قبل الجماعات الدينية المتشدّدة. فكان الإجماع على الخيار الأخير والانطلاق من نقطة استراتيجية تتمثّل بالسيطرة على وسائل الإعلام بغرض تشكيل رأي عام مساند.
وهكذا بدأ بولوريه، الرجل الذي يحتلّ المرتبة العاشرة بين أغنياء فرنسا، مهمّة جديدة إلى جانب عمله التجاريّ في البنى التحتية والموانئ والطرقات الخاصّة في أفريقيا، تتمثّل بشراء أكبر عدد من وسائل الإعلام الفرنسية ومن بينها: "(كانال بلوس، سي 8، سي نيوز) ومحطّات إذاعية (أوروبا 1، فيرجين)، وصحف (باري ماتش، جورنال دي ديمانش، كابيتال، جيو، فام أكتويل، كلوزر، فواسي)، ودور نشر كبرى (إيديتيس، لاهاشيت، غراسّي، ستوك، بلون، روبير لافون، فايار، كالمان ليفي، كتاب الجيب).
كما يملك بولوريه شركة الميديا "فيفندي"، و"هافاس" التي تتزعّم عالم الإعلانات، ومعهد استطلاعات الرأي "سي أس أي"، وأسهم في قناة "أم 6" وجريدة "لو فيغارو"، لبسط هيمنته على أوسع مساحة من المشهد الإعلاميّ في فرنسا.
وأعلن بولوريه، من خلال تلك القنوات أنّ مشروعه تجاريّ بحت، لكنّ خطاب الكراهية والعداء للمسلمين شكّل العنوان الثابت، مع توظيف عدد من نجوم الإعلام ضمن خطّة تحريرية محكمة.
وفي موازاة الأمبراطورية الإعلامية، أطلق بولوريه حركة سياسيّة تدعى "الاسترداد"، تسعى إلى ترحيل خمسة ملايين عربيّ ومسلم يحملون الجنسيّة الفرنسيّة، محذّراً من أنّ اعتماد المسلمين على قانون مستمدّ من القرآن من شأنه أن يؤسّس لدولة ضمن الدولة.
ومن مفارقات مهمّة بولوريه، أنّه جمع كلّاً من الرئيس الفرنسيّ السابق نيكولا ساركوزي والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون على طاولة واحدة للتباحث في خطّته السياسيّة. ووفق "لوموند"، حرصت كارلا بروني على التقاط الصور في حضور بريجيت ماكرون، ولكنّ اللقاء انتهى بجفاء سياسيّ، وبات ماكرون على الجبهة المنافسة.
ولطالما كان توحيد اليمين الفرنسيّ وإيصاله إلى السلطة الهدف الرئيس لبولوريه، بحسب ألكسيس ليفرييه، المختصّ في تاريخ الإعلام في جامعة رينس شامباني-أردين. إذ يقول إنّ "نجاح مخطّط كهذا يستوجب كسر الحواجز التي فصلت لفترة طويلة بين اليمين الكلاسيكيّ واليمين المتطرّف، وذلك من خلال إيجاد "رجال يؤمنون بذلك"، مثل إيريك سيوتي، قادرين على مدّ الجسور".
عام 2018، أوقفت السلطات الفرنسية احترازيّاً، رجل الأعمال بولوريه في نانتير قرب باريس، للتحقيق معه حول شبهات بالفساد تتعلّق بصفقتين أبرمتهما مجموعته في توغو وغينيا عامي 2010 و2011. وفي حينه تمكّن بولوريه من تجاوز تلك الأزمة من خلال دفع أكثر من مليونَي يورو في صفقة أقيمت بالتراضي.
وحين سمّى الرئيس ماكرون اللبنانيّة ريما عبد الملك وزيرة للثقافة الفرنسيّة، جنّ جنون بولوريه على اعتبار أنّ وجودها على رأس الوزارة من شأنه أن يعيق مشروعه ضدّ المهاجرين، ليشنّ حرباً شعواء عليها. فكان أن أضاءت الوزيرة على تطرّف مؤسّساته الإعلاميّة واصفة إيّاه بـ"الغول الإعلاميّ". علّقت منصّة Les Jours ذاهبة أبعد في الدفاع عن ريما عبد الملك، معتبرة أنّ ما حصل كان عمليّة منظّمة بهدف واحد: "التهديد وإضعاف وزيرة لديها الجرأة لمهاجمة فانسان بولوريه".
ويبقى السؤال: لماذا لم يدعم بولوريه مارين لوبان في انتخابات عام 2022؟ يكشف الجواب عن خلفيّات ما يجري حاليّاً. يصارح بولوريه المقرّبين منه بأنّه بلا يثق بلوبان وعليها أن تختار من يكون موضع ثقة لرئاسة الحكومة. وجاء الاتّفاق بينهما على اختيار الشاب جوردان بارديلا الذي يثق به بولوريه. يفسّر ذلك لماذا حرصت لوبان بعد فوز اليمين أن تؤكّد أنّها على عهد الاتّفاق مع بولوريه في شأن بارديلا.
وبخصوص فانسان بولوريه، فقد أدّى حجم أصوله وتوجّهاتها الإيديولوجيّة إلى خلق وضع غير مسبوق في فرنسا، كما يقول ألكسيس ليفرييه، مضيفًا "لم يحدث قط أن تركّز هذا القدر من النفوذ في يد رجل واحد". "ولم يتمَّ استخدام مثل هذا النفوذ بتاتاً من أجل الترويج لبرنامج سياسيّ متشدّد كهذا".