قالت وزارة الداخلية الفرنسية، اليوم الأحد، إن نسبة المشاركة في الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية ارتفعت كثيرا مقارنة بالانتخابات السابقة في عام 2022، في اقتراع قد يشهد صعود حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.
ومع توقع فوز الحزب بأغلبية المقاعد في الجمعية الوطنية (مجلس النواب)، أشارت أحدث استطلاعات الرأي إلى أنه لن يتمكن من الفوز بأغلبية مطلقة.
وقد تؤدي مثل هذه النتيجة إلى برلمان معلق، وهو ما قد يضعف بشدة سلطة الرئيس إيمانويل ماكرون، وينذر بفترة طويلة من عدم الاستقرار والجمود السياسي في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
وإذا حصل حزب التجمع الوطني القومي المتشكك في جدوى عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي على أغلبية، فإنه سيشكل أول حكومة يمينية متطرفة في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، ويسبب حالة من الصدمة عبر الاتحاد الأوروبي في وقت يتزايد فيه التأييد للأحزاب الشعبوية في أنحاء القارة.
وقالت وزارة الداخلية الفرنسية إن نسبة المشاركة في الدورة الثانية للانتخابات التشريعية في فرنسا بلغت 59,71% عند الساعة 15,00 بتوقيت غرينيتش الأحد، في مقابل 59,39% في الساعة نفسها خلال الدورة الأولى.
وهذه النسبة هي الأعلى في انتخابات تشريعية منذ تلك المسجلة العام 1981 (61,4 %) والتي تلت انتخاب فرنسوا ميتران رئيسا للجمهورية.
وتقدر نسبة المشاركة النهائية في الدورة الثانية، الأحد، بـ67% بحسب معهدي إيبسوس وابينيونواي لاستطلاعات الرأي و67,1% بحسب إيلاب و66,5 % من جانب إيفوب، في مقابل 66,7% في الدورة الأولى. وسيشكل ذلك مستوى قياسيا منذ الانتخابات المبكرة في العام 1997.
وكانت وزارة الداخلية أعلنت في وقت سابق أن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 26.3 بالمئة بحلول ظهر اليوم (10.00 بتوقيت غرينتش)، ارتفاعا من 18.99 بالمئة خلال الجولة الثانية من التصويت في عام 2022، مما يسلط الضوء على اهتمام المواطنين الشديد بالانتخابات التي سلطت الضوء على الاستقطاب في وجهات النظر في فرنسا.
وتغلق مراكز الاقتراع أبوابها في السادسة مساء (16.00 بتوقيت غرينتش) في البلدات والمدن الصغيرة، وفي الثامنة مساء في المدن الكبرى. ومن المتوقع ظهور توقعات أولية فور انتهاء التصويت بناء على فرز وإحصاء الأصوات في عينة من مراكز الاقتراع.
وقال أوليفييه غريسال، وهو متقاعد، بينما كان متوجها إلى مركز الاقتراع الذي سيدلي فيه بصوته في بلدة يقطنها سكان من الطبقة المتوسطة غربي باريس برفقة زوجته "تواجه البلاد ثلاث وجهات نظر مجتمعية متعارضة جذريا".
وأضاف "هناك اليمين المتطرف، وهناك وجهة النظر المناصرة لماكرون التي أعتبرها خطيرة أيضا ولها ميول دكتاتورية، ثم هناك اليسار وهو ليس رائعا كذلك".
وأشارت استطلاعات رأي إلى أن حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن سيصبح القوة التشريعية المهيمنة بسبب معاقبة الناخبين لماكرون على أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة وانفصاله عن الصعوبات التي يعاني منها الشعب.
لكن التوقعات تشير إلى أن الحزب لن يتمكن من الوصول إلى أغلبية 289 مقعدا التي تمنح لتلميذ لوبن رئيس الحزب الحالي جوردان بارديلا (28 عاما) منصب رئيس الوزراء.
وتقلص هامش الفوز المتوقع لليمين المتطرف منذ أن سحب ائتلاف ماكرون (معا) المنتمي لتيار الوسط وتحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري عشرات المرشحين من الجولة الثانية في محاولة لتوحيد صفيهما في مواجهة التجمع الوطني.
وقال رافاييل غلوكسمان، عضو البرلمان الأوروبي الذي قاد اليسار الفرنسي في الانتخابات الأوروبية الشهر الماضي، لإذاعة فرانس إنتر الأسبوع الماضي "فرنسا على حافة الهاوية ولا نعرف ما إذا كنا سنقفز".
وتصاعدت أعمال العنف المرتبطة بالسياسة خلال الحملة الانتخابية القصيرة التي استمرت ثلاثة أسابيع. وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان إن السلطات سجلت أكثر من 50 اعتداء جسديا على المرشحين والمشاركين في الحملات الانتخابية.
وبعد أن كان حزب التجمع الوطني خيارا مستبعدا لكثيرين بسبب تاريخه المعروف بالعنصرية، عزز الحزب اليميني قاعدة مؤيديه لتصل إلى ما هو أبعد من القاعدة التقليدية على ساحل البحر المتوسط والشمال الذي يعاني من تراجع الصناعة، من خلال الاستفادة من غضب الناخبين من ماكرون بسبب ميزانيات الأسر المحدودة وحالة الأمن والمخاوف إزاء الهجرة.
وقالت لوبن لقناة تي.إف1 التلفزيونية يوم الأربعاء "الشعب الفرنسي لديه رغبة حقيقية في التغيير" .
ما هي خطوة ماكرون التالية؟
فاجأ ماكرون البلاد وأغضب الكثير من حلفائه السياسيين ومؤيديه عندما دعا إلى انتخابات مبكرة بعد هزيمة أمام حزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي في الشهر الماضي، على أمل إرباك منافسيه في الانتخابات التشريعية.
وأيا تكن النتيجة النهائية، يبدو أن أجندته السياسية قد جاء أجلها الآن قبل ثلاث سنوات كاملة من نهاية رئاسته.
وتشعر النخبة التجارية في فرنسا بالقلق أيضا إزاء خطر التقلب السياسي وعدم الاستقرار في المستقبل.
وقال روس ماكينيس، رئيس شركة سافران لصناعة الطيران لرويترز "نشعر بقلق شديد إزاء ما سيحدث... مهما كانت التركيبة السياسية التي ستتمخض عنها انتخابات اليوم الأحد، فربما نكون في نهاية دورة إصلاح بدأت قبل 10 سنوات".
ومن شأن قيادة حزب التجمع الوطني لحكومة فرنسا أن تثير أسئلة مهمة حول من يتحدث باسم فرنسا حقا في أوروبا وعلى الساحة العالمية، وحول اتجاه الاتحاد الأوروبي نظرا للدور القوي الذي تلعبه فرنسا في التكتل.
وتعهد حزب التجمع الوطني بتقليص الهجرة وتيسير التشريعات الخاصة بطرد المهاجرين غير الشرعيين، وتشديد القواعد المتعلقة بلم شمل الأسر. وفي ما يتعلق بالاقتصاد، قلص حزب التجمع الوطني بعض تعهداته السياسية الرئيسية بشأن دعم إنفاق الأسر وخفض سن التقاعد، بسبب العجز المتزايد في ميزانية فرنسا.
ويقول بارديلا إن حزب التجمع الوطني سيرفض تشكيل حكومة إذا لم يفز بالأغلبية، لكن لوبن قالت إن الحزب سيحاول تشكيل الحكومة إذا كان الفارق ضئيلا.
ولم تألف فرنسا تشكيل تحالفات واسعة النطاق بين الأحزاب في حالة البرلمان المعلق. واستبعد عدد من الزعماء السياسيين ومن بينهم رئيس الوزراء غابريال أتال، الذي سيفقد منصبه على الأرجح في التغييرات التي ستلي الانتخابات، هذا السيناريو.
وهناك احتمال آخر يتمثل في تشكيل حكومة موقتة تدير الشؤون اليومية ولكن من دون تفويض بالإصلاح.