النهار

لا غالبية مطلقة في انتخابات فرنسا: تحالف اليسار يتصدّر النتائج أمام معسكر ماكرون واليمين المتطرف
المصدر: "أ ف ب"
لا غالبية مطلقة في انتخابات فرنسا: تحالف اليسار يتصدّر النتائج أمام معسكر ماكرون واليمين المتطرف
فرنسيون في باريس بعد صدور نتائج الانتخابات التشريعية في دورتها الثانية (أف ب).
A+   A-
في تطوّر غير متوقّع، أظهرت النتائج الأوليّة للتصويت في الانتخابات التشريعيّة في فرنسا تصدّر تحالف اليسار في الجولة الثانية، واحتلال معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون المرتبة الثانية، متقدّماً على اليمين المتطرّف، لكن دون أن تحصل أيّ كتلة على غالبيّة مطلقة في الجمعيّة الوطنيّة.

ويدخل التجمّع الوطني بقوّة إلى الجمعيّة الوطنيّة الجديدة بعدد تاريخي من النواب (بين 134 و152)، إلّا أنّه يبقى بعيدا عن السلطة مع تسجيله نتيجة مخيّبة لتطلّعاته مقارنة بما سجّله خلال الدورة الأولى.

وتجد فرنسا، البلد الرئيسي في الاتحاد الأوربي، نفسها غارقة في المجهول قبل ثلاثة أسابيع على افتتاح دورة الألعاب الأولمبيّة في باريس.
 


وحقّقت "الجبهة الشعبيّة الجديدة"، المؤلّفة من أحزاب تختلف على عدد من الملفّات، مفاجأة بحلولها في المرتبة الأولى، مع توقّع نيلها 171 إلى 187 مقعداً.

أمّا معسكر ماكرون، فقد أظهر قدرة على الصمود بعد شهر على مجازفة الرئيس بالدعوة إلى هذه الانتخابات المبكرة، مع توقّع حصوله على 152 إلى 163 مقعدا، في مقابل 250 في حزيران 2022.

وفور صدور التقديرات الأوليّة، رأى زعيم اليسار الراديكالي الفرنسي جان لوك ميلانشون، الأحد، أنّه على رئيس الوزراء "المغادرة" وأنّه ينبغي على الجبهة الشعبيّة الجديدة التي ينتمي إليها حزبه أن "تحكُم".

وفيما حلّ اليمين المتطرّف ثالثاً بعدما كان فوزه مرجّحاً، قال ميلانشون، زعيم حزب فرنسا الأبيّة: "شعبنا أطاح بوضوح أسوأ الحلول".

وبعد أن اختبر ذروة السلطة، عاد الرئيس الفرنسي الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند الأحد إلى الساحة السياسية بفوزه بمقعد في البرلمان تحت راية تحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة". وبعد سبع سنوات من تسليمه مفاتيح الإليزيه لماكرون، حصل الرئيس السابق البالغ 69 عاماً (2012-2017) على 43,10 في المئة من الأصوات، وقال لـ"فرانس برس": "لن أكون نائباً مثل الآخرين، هذا أمر مؤكد".

من جهته، انتقد رئيس حزب التجمّع الوطني اليميني المتطرّف جوردان بارديلا "تحالف العار" الذي حرم الفرنسيّين من "سياسة إنعاش".

وقال بارديلا: "يُجسّد حزب التجمع الوطني أكثر من أيّ وقت مضى البديل الوحيد"، متعهّداً أن حزبه لن ينزلق نحو "أي تسوية سياسية ضيّقة" ومؤكداً أنّ "لا شيء يمكن أن يوقف شعبًا عاد له الأمل".
 


واعتبرت زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبان تعليقاً على نتائج الانتخابات الأحد: "نصرنا مؤجّل فقط. المدّ يرتفع. لم يرتفع بالمستوى الكافي هذه المرّة لكنه يستمر بالصعود"، مضيفة أن "لدي خبرة كبيرة تكفي لكي لا أشعر بخيبة أمل بنتيجة ضاعَفنا فيها عدد نوابنا".

من جهته، دعا ماكرون إلى "توخّي الحذر" في تحليل نتائج الانتخابات التشريعيّة لمعرفة من يمكن أن يتولّى تشكيل حكومة، معتبرًا أنّ كتلة الوسط لا تزال "حيّة" جدًا بعد سنواته السبع في السلطة، وفق ما أفادت أوساطه مساء الأحد.

وقال قصر الإليزيه بُعيد ذلك إنّ ماكرون ينتظر "تشكيلة" الجمعيّة الوطنيّة الجديدة من أجل "اتّخاذ القرارات اللازمة".

إلى ذلك، أعلن رئيس وزراء فرنسا غابريال أتال أنّه سيُقدّم استقالته الاثنين، موضحاً أنّه مستعدّ للبقاء في منصبه "طالما يقتضي الواجب"، خصوصاً أنّ فرنسا تستضيف دورة الألعاب الأولمبيّة قريبا.

دوليّاً، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إنّ هزيمة اليمين المتطرّف في فرنسا في الانتخابات "أفرحت" وارسو وستجلب "خيبة أمل" لروسيا و"ارتياحا" لأوكرانيا.

في ألمانيا، اعتبر مسؤول في الحزب الديموقراطي الاشتراكي، الذي يتزعّمه المستشار أولاف شولتس، أنه تم "تجنّب الأسوأ" بخسارة اليمين المتطرّف في الانتخابات الفرنسيّة.

ورحّب رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي بيدرو سانشيز باختيار فرنسا والمملكة المتحدة "رفض اليمين المتطرّف والالتزام الصارم باليسار الاشتراكي". وكتب سانشيز على منصّة "إكس": "هذا الأسبوع، اختارت اثنتان من أكبر الدول في أوروبا المسار نفسه الذي اتّبعته إسبانيا قبل عام".
 


بدوره، أشاد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بالانتصار "ضد التطرف" وبـ"نضج القوى السياسية" في فرنسا بعد أن كبح اليسار جماح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية. وقال الزعيم اليساري على "إكس": "سعيد جدّاً بما أظهرته القوى السياسية في فرنسا من عظمة ونضج بعد أن اتحدت ضد التطرف".

وشدد لولا على أن النتيجة في فرنسا وفوز حزب العمال في المملكة المتحدة هذا الأسبوع "يعززان أهمية الحوار بين الشرائح التقدُّميّة للدفاع عن الديموقراطية والعدالة الاجتماعية".

وتُقدَّر نسبة المشاركة النهائية في الدورة الثانية من الانتخابات الفرنسية الأحد بـ67 في الئمة بحسب معهدَي "إيبسوس" و"ابينيونواي" لاستطلاعات الرأي و67,1 في المئة بحسب إيلاب و66,5 في المئة من جانب إيفوب، في مقابل 66,7 في المئة في الدورة الأولى. وسيشكّل ذلك مستوى قياسيّاً منذ الانتخابات المبكرة عام 1997.

وكانت البلاد شهدت منذ بدء الحملة الانتخابيّة أجواء متوترة جدا، مع شتائم واعتداءات جسدية على مرشّحين وأشخاص يضعون ملصقات وكلام متفلّت عنصري ومعادٍ للسامية.
 


تقارب بين الكتل الثلاث

فتحت مراكز الاقتراع الساعة السادسة في فرنسا القاريّة، بعدما صوّت الناخبون السبت في أرخبيل سان-بيار-إي-ميكلون في شمال المحيط الأطلسي، وغويانا والأنتيل وبولينيزيا وكاليدونيا الجديدة في جنوب المحيط الهادئ.

وصدرت النتائج الأولى في بعض أقاليم ما وراء البحار في وقت سابق. في غوادلوب، احتفظ النوّاب الأربعة اليساريّون بمقاعدهم. وفاز اليسار أيضا في مارتينيك وغويانا.

في كاليدونيا الجديدة في جنوب المحيط الهادئ التي تشهد أعمال شغب عنيفة منذ حزيران، انتخب مرشّح منادٍ بالاستقلال للمرة الأولى منذ عام 1986.

كان ماكرون أدخل فرنسا في المجهول بإعلانه المفاجئ في التاسع من حزيران حلّ الجمعيّة الوطنيّة والدعوة إلى انتخابات تشريعيّة مبكرة، بعد فشل تكتّله في الانتخابات الأوروبية.

وتصدّر التجمع الوطني (يمين متطرّف) وحلفاؤه نتائج الدورة الأولى بفارق كبير (33 في المئة) متقدّماً على تحالف اليسار "الجبهة الشعبيّة الوطنيّة" (28 في المئة) والمعسكر الرئاسي (يمين وسط) الذي نال فقط عشرين في المئة من الأصوات.
 


وسعياً لقطع الطريق أمام التجمّع الوطني، انسحب أكثر من مئتي مرشّح من اليسار والوسط من دوائر كانت ستشهد سباقاً بين ثلاثة مرشّحين في الدورة الثانية.

وكان أتال الذي يقود حملة المعسكر الرئاسي حذّر من أنّ "الخطر اليوم هو غالبيّة يُسيطر عليها اليمين المتطرّف. سيكون هذا مشروعاً كارثيّاً".

من جهتها، ندّدت لوبان بمناورات "الذين يريدون البقاء في السلطة خلافا لإرادة الشعب".

وشهد المشهد السياسي الفرنسي تبدّلاً كبيراً عام 2017 مع فوز ماكرون بالرئاسة، هازما الأحزاب التقليديّة.
 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium