تلقت آمال الإيرانيين التواقين إلى الحريات الاجتماعية وتحسين العلاقات بالغرب دفعة بانتخاب مسعود بيزشكيان الذي يتبنى نهجا معتدلا نسبيا رئيسا لإيران، إلا أن قليلين منهم يتوقعون حدوث تغييرات كبيرة في السياسات.
فقد قالت مصادر مطلعة ومحللون إن المكانة السياسية للرموز الدينية الحاكمة في إيران تعتمد على معالجة الصعوبات الاقتصادية، لذلك قد يكون لدى بيزشكيان يد قوية نسبيا لإنعاش الاقتصاد، لكن النطاق الذي يمكنه من السماح بالحريات الاجتماعية سيكون محدودا.
وفي ظل النظام الإيراني الذي يجمع بين الحكمين الديني والجمهوري لا يستطيع الرئيس إحداث تحول كبير في السياسة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني أو السياسة الخارجية، إذ يتولى الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي كل القرارات في شؤون الدولة العليا.
غير أن بإمكان رئيس البلاد التأثير من خلال ضبط إيقاع السياسة الإيرانية والمشاركة بشكل وثيق في اختيار خليفة لخامنئي البالغ من العمر الآن 85 عاما.
وكان غلاة المحافظين الذين يستمدون قوة من المؤسسات التي يسيطر عليها خامنئي، مثل القضاء والقوات المسلحة ووسائل الإعلام، قد حالوا في الماضي دون الانفتاح من جديد على الغرب أو حتى التحرر في الداخل.
ووضع خامنئي المبادئ التوجيهية التي يود رؤيتها في الحكومة الجديدة من خلال حض بيزشكيان على مواصلة سياسات سلفه إبراهيم رئيسي الذي كان من غلاة المحافظين ولقي حتفه في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في أيار.
وقال كريم سجادبور، الباحث الأول في مؤسسة كارنيغي بواشنطن "يعرّف بزيشكيان نفسه بأنه 'أصولي'... وكان واضحا بشأن ولائه للحرس الثوري وخامنئي".
هل تغير إيران موقفها النووي؟
فاز بيزشكيان، جراح القلب السابق البالغ 69 عاما، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأسبوع الماضي، ولم يؤد اليمين بعد.
وتعهد انتهاج سياسة خارجية براغماتية وتخفيف التوتر مع القوى الست الكبرى التي شاركت في المحادثات النووية المتوقفة الآن لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015.
ويقول محللون إن فوز بيزشكيان كان بلا شك بمثابة انتكاسة للسياسيين المتشددين مثل منافسه سعيد جليلي، الذي يعارض أي انفتاح على الغرب وإحياء الاتفاق النووي.
وانتقد أنصار جليلي هيئة رقابية هي من غلاة المحافظين أصلا على سماحها لبيزشكيان بالترشح، إذ أشارت مصادر مطلعة إلى أن خامنئي اتخذ هذا القرار لضمان إقبال مرتفع وسط تضاؤل مطرد في المشاركة في الانتخابات منذ 2020.
ويأمل بيزشكيان أن يؤدي إحياء المحادثات مع الغرب إلى رفع العقوبات الأميركية الصارمة، في ظل تزايد الاستياء الشعبي من الصعوبات الاقتصادية.
لكن المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي قال أمس الاثنين إن الولايات المتحدة ليست مستعدة لاستئناف المحادثات النووية مع إيران في عهد الرئيس الجديد.
وبالنسبة لبيزشكيان، فإن الرهان كبير. فالرئيس يمكن أن يصبح ضعيفا سياسيا إذا فشل في إحياء الاتفاق، الذي انسحب منه في 2018 الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب وأعاد فرض عقوبات قاسية على إيران.
وقال مسؤول كبير سابق من تيار الإصلاحيين "أمامه طريق صعب... إخفاق بيزشكيان في إحياء الاتفاق سيضعف الرئيس ويؤدي أيضا إلى رد فعل عنيف ضد المعسكر المؤيد للإصلاح الذي قدم له الدعم".
ولا تزال استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، التي يصفها قادة إيران باسم "الشيطان الأكبر" منذ توليهم السلطة في ثورة 1979، غير واردة.
هل يحسّن الرئيس الجديد الوضع الاقتصادي؟
بما أن الاقتصاد لا يزال يمثل نقطة ضعف بالنسبة لخامنئي، فإن التحرر من العقوبات الأميركية المعوّقة التي كلفت إيران مليارات الدولارات من دخل النفط سيظل الهدف الاقتصادي الأعلى لبيزشكيان.
وتسبب ارتفاع الأسعار وتقلص القدرة الشرائية في معاناة ملايين الإيرانيين الذين يواجهون بصعوبة مزيجا من العقوبات وسوء الإدارة.
ويعلم خامنئي أن أزمة الاقتصاد تمثل تحديا لم يقدر على مجابهته حتى الآن رجال الدين الحاكمين الذين يخشون تجدد الاحتجاجات التي اندلعت منذ عام 2017 بين ذوي الدخل المنخفض والمتوسط الغاضبين من استمرار متاعبهم المعيشية.
وقال مصدر مطلع مقرب من خامنئي "سيؤدي الفشل في تحسين الاقتصاد إلى احتجاجات في الشوارع، خصوصا لأن لدى الناس آمالا كبيرة الآن بسبب وعود حملة بيزشكيان".
ويقول محللون إن التوقعات الاقتصادية لإيران تبدو أكثر غموضا من أي وقت مضى مع احتمال أن تؤدي عودة ترامب إلى منصب الرئيس الأميركي إلى فرض عقوبات أشد على قطاع النفط.
هل تتغير القيود الاجتماعية الصارمة؟
يتمتع بيزشكيان بعلاقة وثيقة مع خامنئي، وقد يكون قادرا على بناء الجسور بين الفصائل لتحقيق الاعتدال، ولكن هذا لن يمكنه من إحداث التغييرات الأساسية التي يطالب بها كثير من الإيرانيين المؤيدين للإصلاح.
ويقول محللون إن من المرجح جدا أن ينتهي الأمر ببيزشكيان في وضع مماثل لسابقيه، الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي والبراجماتي حسن روحاني، اللذان رفعا معنويات الإيرانيين الطامحين للتغيير لكن تم منعهما في النهاية من القيام بذلك من قبل غلاة المحافظين في النخبة المهيمنة من رجال الدين والحرس الثوري صاحب النفوذ الكبير.
وقال هادي غائمي المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران ومقره نيويورك "بيزشكيان ليس إصلاحيا ولا معتدلا... بصفته جنديا لخامنئي، سيخضع لرغباته التي من الواضح أنها الحكم بالعنف والقمع".
وبصفته نائبا برلمانيا في عام 2022، انتقد بيزشكيان المؤسسة الحاكمة بسبب وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني التي كانت محتجزة لدى الشرطة، والتي أثارت وفاتها اضطرابات استمرت شهورا بالبلاد.
هل تغيّر إيران سياستها في المنطقة؟
ليس من المرجح أن يحدث ذلك، فالسلطة العليا في السياسات إزاء المنطقة ليست للرئيس، بل للحرس الثوري الذي لا يأتمر سوى بأوامر خامنئي.
ويتولى بيزشكيان منصبه في وقت يتصاعد التوتر في الشرق الأوسط بسبب الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة والقتال مع جماعة حزب الله في لبنان.
وفي إشارة إلى عدم حدوث تغيير في سياسات إيران بالمنطقة، أكد بيزشكيان أمس الاثنين موقف إيران المناهض لإسرائيل ودعمها لحركات المقاومة بأنحاء المنطقة.
وقال بيزشكيان في رسالة إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله "دعم مقاومة شعوب المنطقة للنظام الصهيوني غير الشرعي (إسرائيل) متجذر في السياسات الأساسية للجمهورية الإسلامية".