منذ الحريق الذي قضى على مئات رؤوس الماعز في جنوب شرق تركيا الشهر الفائت، يجوب حسن كيزيل التلال المتفحمة في المنطقة بشاحنته الصغيرة لمعالجة الحيوانات وإقناع أصحاب ما تبقى منها على قيد الحياة بعدم بيعها للذبح في المسالخ.
واندلع الحريق في مدينتي ديار بكر وماردين بجنوب شرق البلاد في 22 حزيران، وأودى بحياة 15 شخصا. عزا خبراء الكارثة إلى عيوب في توصيل شبكات الطاقة.
ونفق أكثر من ألف رأس من الأغنام والماعز في الحريق، بحسب وزارة الزراعة، بينها تلك الموجودة في مازيداغي، على بعد 36 كيلومترا من ماردين.
ويقول حسن كيزيل البالغ 29 عاماً، والذي تعلّم رعاية الحيوانات بفضل جهوده الذاتية، حين كان يعالج الحروق حول حوافر بعض المواشي "كانت عيون معظمها مغلقة تماماً، ومنتفخة للغاية بما يمنعها من الرؤية".
ويوضح أنه "لو استمر الأمر بضعة أيام أخرى، لكان الحليب الفاسد ليتسبب في تسمم بالدم" جراء البكتيريا، مضيفاً "كدنا نفقدها".
- "أحب حيواناتي" -
كل يوم، يزور كيزيل مزارع المنطقة طوعاً لمراقبة الحيوانات وإقناع المزارعين بالحفاظ على قطعانهم المتضررة.
وتشكل رعاية الحيوانات المصابة وغير المنتجة عبئا ثقيلا على المربي الشاب، الذي يدين للبنك بمبلغ 27 ألف ليرة تركية (825 دولارا) بينما يدفع أيضا ثمن الدواء والقش.
وكان بائع الكباب السابق محمد سيليبي أوغلو، وهو في الثلاثينات من عمره، قد استدان لشراء 160 خروفاً وبعض الماعز. لكن لم يتبق منها حالياً سوى 40 فقط - وهي إناث غنم غير قادرة على إنتاج الحليب ورؤوس ماعز صغيرة تيتّمت بسبب الحريق.
ويقول إن الحيوانات "كانت مستلقية في الحقول عندما اندلع الحريق. احترق 120 رأسا من الأغنام على الفور. ذابت عيونها... هذا كل ما تبقى".
وتوضح شقيقته غلستان البالغة 18 عاماً "لقد خاطر إخوتي بحياتهم لإنقاذها"، مستذكرة كيف أدى الحريق إلى قطع إمدادات الكهرباء والمياه مع هبوب الرياح الساخنة فوق التلال.
لكنّ بيع المخزون المتبقي ليس خيارا متاحا أمام سيليبي أوغلو، المتحدر من مدينة أضنة الكبيرة في الجنوب.
ويقول "هل أبيعها؟ سيدفعون لي ما بين 2000 إلى 3000 ليرة" (60 إلى 90 دولاراً)، مضيفاً "لقد أمضيت عامين في تعليم نفسي هذه الوظيفة، والأهم من ذلك كله أنني أحب حيواناتي".
- "ساحة معركة" -
وقد شجّع ارتباط المزارعين بأغنامهم كيزيل على دعمهم والوصول إلى ضحايا الكوارث، كما فعل بعد علاج الحيوانات المصابة في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق تركيا في شباط 2023، وأدى إلى مقتل 55 ألف شخص.
وأصبح كيزيل نجماً محلياً على إنستغرام، وهو معروف بصناعة الأقواس والأطراف الاصطناعية للحيوانات المعوقة. ويتابع أكثر من 240 ألف متابع عمله في إعادة تأهيل الثعالب والقطط والطيور المصابة.
ويقول وهو يتذكر ليلة الحريق "كان المكان هنا أشبه بساحة معركة"، مضيفاً "كان القصابون يحاولون الإمساك بالحيوانات الجريحة وذبحها، بينما كنا نحاول إبقاءها على قيد الحياة".
ودفعت صور الحيوانات بأطباء بيطريين من مدن عدة للاندفاع إلى مكان الحادث طواعية.
واستقبلت بلدية مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية حيوانات مصابة في ملجأها، بينما أُرسلت حيوانات أخرى إلى عيادات في إزمير (غرب تركيا)، وأضنة، وإسطنبول.
ويقول كيزيل في منطقة تشكّل فيها الزراعة وتربية الماشية الدعامة الأساسية للاقتصاد "ما زلنا نكافح".
ويضيف وهو يضع مرهماً على الجروح السوداء في أنثى غنم "إذا استطعنا إعادة الضرع إلى طبيعته، فسوف تنجو".