أعيد انتخاب المالطية روبيرتا ميتسولا (45 عاماً)، الثلثاء، رئيسة للبرلمان الأوروبي بحصولها على أغلبية ساحقة من الأصوات خلال افتتاح أول جلسة عامّة للبرلمان في ستراسبورع بعد الانتخابات التشريعية الأوروبية.
وجاء انتخاب ميتسولا في ظل ضغوط من اليمين المتطرّف الذي عزّز حضوره في الانتخابات التي جرت في حزيران، ويحرص على إبراز مواقفه في سياق المناقشات بشأن المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من انقساماته ومن محاولات تطويقه من قبل الأحزاب الرئيسية.
افتُتحت الجلسة العامّة لتؤشر إلى بداية ولاية تشريعية جديدة مدّتها خمس سنوات، في أجواء دولية متوترة على إثر محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وفي ظل تهديدات الكرملين ضدّ مدن أوروبية وزيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى موسكو وبكين.
وحصلت ميتسولا التي ترأس البرلمان الأوروبي منذ العام 2022، على ولاية جديدة لسنتين ونصف، إثر تأييد 562 نائباً انتخابها مقابل 61 نائباً صوّتوا لصالح منافستها الوحيدة الإسبانية إيريني مونتيرو من اليسار الراديكالي. وتنتمي ميتسولا لائتلاف حزب الشعب الأوروبي الذي يعدّ أول قوة سياسية في البرلمان.
وقالت ميتسولا "نحن بحاجة إلى برلمان قوي في اتحاد قوي... ولمواصلة الضغط لضمان حقّنا في المبادرة (في مواجهة المفوضية الأوروبية) وتحسين صلاحياتنا في المراقبة والتحقيق ومعالجة الاختلالات المؤسساتية".
ودعت إلى "صقل حماس الناس وتقوية الإيمان بالمشروع الأوروبي وبمساحة مشتركة أكثر أماناً وأكثر مساواة"، خصوصاً من خلال تعزيز "الركيزة الاجتماعية" للاتحاد الأوروبي.
ولن يتحدّث أوربان الذي تشغل بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي منذ تموز، أمام البرلمان الذي يضم 720 نائبا. فقد تمّ تأجيل خطابه إلى الخريف، بسبب عمليات التصويت الإجرائية التي ستجري خلال الفترة الحالية.
وستكون عمليات التصويت هذه محطّ رصد وترقّب، خصوصاً من قبل اليمين المتطرّف والقوميين الذين أحرزوا تقدّماً كبيراً في الانتخابات الأوروبية، وذلك رغم حفاظ ائتلاف الوسط المؤلّف من حزب الشعب الأوروبي (يمين، 188 مقعداً) و"التجديد/رينيو" (ليبراليون، 77 مقعداً) والاشتراكيين الديموقراطيين (136 مقعداً) على الأغلبية في الانتخابات الأوروبية.
ويبدو اختيار نواب رئيس البرلمان الـ14، المسؤولين عن رئاسة الجلسات وتنسيق التصويت والخطابات، أكثر تعقيداً مع حوالى أربع جولات تصويت منتظرة وفي ظلّ مطالب مهمّة من المجموعتين الكبيرتين اللتين تضمّان اليمين المتطرّف.
وكان لكتلة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" (78 نائباً) المرتبطة برئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني نائب رئيس منذ العام 2022، غير أنّها تطالب الآن بنائبين فيما يرفض اليسار لذلك.
- بارديلا رئيس كتلة -
وتمكّنت كتلة "وطنيون من أجل أوروبا" الجديدة من التقدّم على "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين"، لتتموضع كقوة ثالثة في البرلمان الأوروبي بحصولها على 84 مقعداً. وتتكوّن هذه المجموعة التي يرأسها جوردان بارديلا، من حزب فوكس (Vox) الإسباني وحزب فيدس بزعامة القومي فيكتور أوربان والتجمّع الوطني (فرنسا).
ووفقاً للتوزيع التقليدي، فإنّ هذه المجموعة يجب أن تحصل على نائبي رئيس. غير أنّ مجموعات الأغلبية الوسطية تعارض ذلك، وتنوي الاتفاق على مرشّحين بديلين لعرقلة انتخاب مرشّحَيها.
ويقول لوبيز دي بابلو المتحدث باسم ائتلاف حزب الشعب الأوروبي "نجري مناقشات لتطويق النواب الأوروبيين الذين ينتمون إلى مجموعات اليمين المتطرّف صديقة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين. لا نريد أن نراهم يمثّلون المؤسسة".
من جهتها، تقول الرئيسة المشاركة للمدافعين عن البيئة تيري رينتكي "ربما ينبغي أن نطلق عليهم اسم الوطنيين الروس؟"، مضيفة "نحن ندعو أكثر من أيّ وقت مضى إلى الحفاظ على الطوق حولهم".
ومن بين الوطنيين، تبرز شخصيات مثيرة للجدل مثل الجنرال الإيطالي روبيرتو فاناتشي الذي ينتمي إلى حزب "رابطة الشمال" برئاسة ماتيو سالفيني، والذي ألّف كتاباً مليئاً بتصريحات معادية للمثليين وكارهة للنساء ومناهضة للمهاجرين.
كذلك، من الممكن أن يتمّ استبعاد النواب الأوروبيين "الوطنيين" من رئاسات اللجان البرلمانية الأسبوع المقبل.
وقالت كينغا غال نائبة الرئيس المجرية للكتلة ساخرة، إنّ "مفهوم بروكسيل للديموقراطية واحترام التقاليد البرلمانية تمّ تطبيقه بشكل مثالي". كما احتجّ المتحدث ألونسو ميندوزا بالقول إنّ هذه "ممارسة مناهضة للديموقراطية تحرم ملايين المواطنين من التمثيل".
في المقابل، تدعو كتلة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" إلى "عدم استبعاد أولئك الذين لا يرضون الأغلبية".
ولكن حتى نواب هذه الكتلة الذين يؤيدون حلف شمال الأطلسي والدعم العسكري لأوكرانيا، على عكس "الوطنيين"، من المتوقع أن يُستبعدوا عن توزيع المناصب.
وتقول باسكال يوانين من مؤسسة شومان، إنّ "ميلوني ليست مشمولة بمساعي التطويق، على عكس مجموعة الهوية والديموقراطية التي انبثق منها الوطنيون"، مضيفة أنّ "ما يطرح مشكلة هو أنّهم مؤيدون لبوتين، وهذا هو الخط الأحمر".
- التودّد إلى المدافعين عن البيئة -
لم تستبعد أورسولا فان دير لايين التي تأمل الخميس في الحصول على الضوء الأخضر من النواب الأوروبيين لولاية ثانية كرئيسة للمفوضية الأوروبية، أن يتمّ التعاون مع بعض أحزاب كتلة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين".
ورغم أنّ الائتلاف الذي يضم حزب الشعب الأوروبي والاشتراكيين والليبراليين، تخطّى الأغلبية المطلقة البالغة 361 عضواً في البرلمان الأوروبي والتي تحتاجها فون دير لايين الخميس لتجديد ولايتها، إلّا أنّ المسؤولة الألمانية يجب أن تتجنّب انشقاقات كبيرة متوقّعة خلال الاقتراع السرّي المخصّص لذلك.
وقد دفعها هذا الاحتمال إلى محاولة الحصول على دعم المدافعين عن البيئة (53 مقعداً)، والاعتماد على نواب من "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين". ودعا رئيس الحكومة التشيكية بيتر فيالا نوابه إلى دعمها.
غير أنّ الليبراليين والاشتراكيين والمدافعين عن البيئة يعارضون بشدّة اللجوء إلى "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" لتأمين حصول رئيسة المفوضية الأوروبية على ولاية ثانية. وتقول رينتكي "من المهم بناء غالبية مستقرّة مع أحزاب مؤيدة للديموقراطية وللاتحاد الأوروبي"، معربة عن قلقها إزاء ميل اليمين المتطرّف إلى "التأثير على الأجندة الأوروبية" رغم انقسامه.
وتعتزم كتلة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" التي تُجري جلسة استماع لفون دير لايين الثلثاء، المطالبة بضمانات. ويقول المتحدث باسم الكتلة مايكل ستروس "لا يمكننا دعمها إذا استمرّت في نهجها الأيديولوجي" بشأن الميثاق الأخضر.