النهار

الأسد نجا ولم ينتصر... انتفاضة أخرى تواجه سوريا
المصدر: "النهار"
الأسد نجا ولم ينتصر... انتفاضة أخرى تواجه سوريا
مقاتلون معارضون يدويون صورة الأسد.
A+   A-
في تقرير ورد في "فورين بوليسي"، يقول كاتبه، إنه "بعد سنوات من انتهاء الحرب الأهلية في البلاد، بدأت سيطرة الأسد تتفكك مرة أخرى. فقبل ستة أعوام، استولى النظام السوري على محافظة درعا الجنوبية، المعروفة شعبياً لدى ملايين السوريين بأنها "مهد الثورة"، بعد محاصرتها بدعم روسي وتحويلها إلى أنقاض، وبمظلة أميركية.
 
وشكّل هذا النصر العسكري لحظة محورية بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد. إذ كانت المرة الأخيرة التي يستولي فيها النظام على مساحة كبيرة من أراضي المعارضة، وتم تصنيف درعا على أنها "منطقة خفض التصعيد" بعد أشهر من الديبلوماسية الدولية المكثفة التي لعبت فيها الولايات المتحدة دوراً مركزياً".
 
وأضاف: "بالنسبة لكثيرين، شكلت تلك اللحظة بمثابة انتصار للأسد وانتهاء للأزمة السورية، واحتواء آثارها. إلا أنه في الحقيقة، لم "ينتصر" الأسد أبداً، بل نجا فحسب، وذلك بفضل الدعم القوي المستمر من روسيا وإيران من جهة وبفعل فك الارتباط الدولي من جهة أخرى، إذ تبخر اهتمام العالم بالعمل على حل الأزمة المنهكة في سوريا".
 
ويشير الكاتب في "فورين بوليسي" إلى أن الوضع في سوريا، من نواحٍ عديدة، أسوأ مما كان عليه سابقاً. هناك علامات واضحة ومستمرة على تعافي تنظيم الدولة الإسلامية؛ وتجارة المخدرات الدولية المرتبطة بالنظام بمليارات الدولارات؛ والأعمال العدائية الجيوسياسية المستمرة التي تشمل إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة. في ظل صعف في قبضة النظام على المناطق الخاضعة لسيطرته.
 
وفي السياق، يقدم جنوب سوريا مثالاً بارزاً، إذ بعد ست سنوات من قصف مهد الثورة وإخضاعها، بدأ حكم الأسد في الجنوب يتآكل.
 
فبينما كان الأسد وراعيه الروسي يعتزمان أن يجسد الجنوب "سوريا المستقرة" التي تم "تطهيرها" من المعارضين، تحولت المنطقة إلى أكثر المناطق عدم استقرار منذ عام 2018. فبين منتصف حزيران/يونيو ومنتصف تموز/يوليو وحدهما، قُتل ما لا يقل عن 47 شخصا في محافظتي درعا والسويداء، عن طريق الاغتيالات والكمائن والمداهمات والخطف وإعدام الرهائن يومياً. وباتت تمثل درعا اليوم على وجه الخصوص تجسيداً للانفلات الأمني والفوضى.
 
واليوم، بحسب المعلومات، أصبح مقاتلو المعارضة السابقون وغيرهم من الفصائل المسلحة المحلية في محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين الخاضعتين لسيطرة النظام أكثر جرأة في تحدي انتهاكات النظام في الأسابيع الأخيرة. وفي الفترة من منتصف يونيو/حزيران إلى منتصف يوليو/تموز، قام مقاتلون مسلحون - معظمهم من المعارضة السابقة - باختطاف ما لا يقل عن 25 ضابطاً عسكرياً سورياً انتقاماً من اعتقال النظام التعسفي للمدنيين في مناطقهم. وقد تم بعد ذلك استخدام الرهائن بنجاح كوسيلة ضغط لإجبار النظام على إطلاق سراح المعتقلين المدنيين. علماً أنه لم يحدث من قبل أن تم تحدي النظام بهذا الشكل وإجباره على الخضوع.
 
اما الفصائل المسلحة المحلية، التي تعتبر "متصالحة" شكلاً، فقد بدأت الآن أيضاً في شن هجمات مباشرة على نقاط التفتيش والمباني العسكرية التابعة لنظام الأسد رداً على الانتهاكات.
على سبيل المثال، عندما تم اعتقال امرأة سورية من بلدة إنخل في درعا أثناء محاولتها تجديد جواز سفرها في دمشق في 10 تموز/يوليو الفائت، شن مقاتلو المعارضة السابقون في إنخل هجمات منسقة على ثلاث نقاط تفتيش تابعة للنظام ومقر المخابرات المحلية. وعندما ردت قوات النظام بإطلاق النار، بما في ذلك باستخدام قذائف الهاون والمدفعية، نصب المقاتلون المحليون كميناً لمركبة مدرعة تابعة للنظام وصلت كتعزيزات، ودمروها بالقذائف الصاروخية. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أُطلق سراح المرأة.
 
وفي محافظة السويداء المجاورة، حيث نظم السكان المحليون أكثر من 330 يوما من الاحتجاجات المتتالية للمطالبة بإسقاط الأسد، أنشأت قوات النظام بشكل غير متوقع نقطة تفتيش أمنية جديدة عند المدخل الرئيسي لعاصمة المحافظة في 23 يونيو/حزيران الفائت. وعلى الأثر، حشدت الفصائل المسلحة المحلية وشنت هجمات على مواقع النظام، وانخرطت في قتال عنيف دام 48 ساعة استقطب تعزيزات النظام من دمشق.
وبحلول 25 حزيران/يونيو، اضطر النظام إلى التراجع، وتحويل نقطة التفتيش إلى موقع بدون سلطة محلية. كان مثل هذا التحدي المباشر لسياسة النظام الأمنية لافتاً، خاصة بالنسبة للمحافظة التي لم تقع أبداً تحت سيطرة المعارضة.
 
وقد أثار هذا الحادث قدراً كبيراً من الاهتمام الإقليمي، وسلط الضوء على استسلام النظام. وهذا قد يفسر سبب اغتيال أحد أبرز قادة الجماعات المسلحة المناهضة للنظام في السويداء، - قائد لواء الجبل مرهج الجرماني - الذي قاد العديد من الهجمات المذكورة أعلاه، في منزله فجر يوم 17 تموز/يوليو الفائت، حيث أصيب برصاصة في رأسه عبر نافذة غرفة معيشته على يد قاتل مأجور مزود بكاتم للصوت. وزوجته التي كانت موجودة في المنزل لم تسمع إطلاق النار.
 
وفي الفترة الزمنية نفسها الممتدة على مدار الشهر، اختطفت الجماعات المسلحة المحلية في جنوب سوريا أيضاً أربعة من عملاء مخابرات النظام متهمين بارتكاب انتهاكات متعددة، بما في ذلك القتل والتعذيب والجريمة المنظمة. تعرض الأربعة جميعاً للتعذيب، وأجبروا على الاعتراف بجرائمهم أمام الكاميرا، ثم أُعدموا، ونُشرت مقاطع فيديو اعترافاتهم محليًا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. علاوة على ذلك، اغتيل اليد اليمنى لرئيس المخابرات العسكرية "سيئ السمعة" في درعا، لؤي العلي، في قلب عاصمة المحافظة في 13 يوليو/تموز الفائت. وبحسب المعلومات، فإن العلي، المعروف باسم أبو لقمان، أشرف على ما يقرب من عقد من التعذيب على أكبر منشأة لاحتجاز المعتقلين والاستجواب في درعا.
 
بحسب الكاتب، تقدم مثل هذه الرؤى لمحة عن الواقع الحقيقي لحكم النظام في العام الرابع عشر من الأزمة السورية. وبعيداً عن تعزيز سيطرته، يبدو أن سلطة الأسد تنهار. وفي الوقت نفسه، يواصل النظام الفشل في جهوده المتقطعة لتحدي تنظيم الدولة الإسلامية المنبعث من جديد.
وفي الشهر الماضي وحده، قُتل ما لا يقل عن 69 من أفراد قوات أمن النظام في هجمات شبه يومية لتنظيم الدولة الإسلامية عبر الصحراء الوسطى في سوريا. ويأتي ذلك وسط "عملية تطهير" يقوم بها النظام ضد الجماعة الجهادية منذ شهر. وفي الوقت نفسه، توفيت مستشارة الأسد الكبيرة لونا الشبل في 3 يونيو/حزيران في حادث سيارة غامض يعتقد البعض أنه كان وظيفة داخلية، في حين قُتل محمد براء قاطرجي، العمود الفقري لاقتصاد النظام، في غارة جوية إسرائيلية في 15 يونيو/حزيران.
 
ويختم الكاتب: "على الرغم من مواجهة نظام سيء السمعة لأنه لا يبذل أي جهد للقضاء على المعارضة، يبدو أن شعب جنوب سوريا قد فاض به الكيل. فمن الانتفاضة الشعبية التي استمرت قرابة عام في السويداء إلى تصميم المقاتلين المحليين لتحدي انتهاكات النظام والسياسة الأمنية بشكل مباشر، لا يبدو وكأن الأزمة تم حلها، بل هي أزمة تتطور وربما تتصاعد مرة أخرى".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium