تعدّ باريس الساعات قبيل انطلاق حفل افتتاح تاريخي غير مسبوق لألعابها الأولمبية الصيفية اليوم، باستعراض نحو سبعة آلاف رياضي من الدول المشاركة لنحو أربع ساعات على عبّارات وقوارب في نهر السين وسط مدينة النور، في ظلّ إجراءات أمنية مشدّدة.
وتريد فرنسا تعزيز صورتها من خلال هذه الألعاب، عبر استضافة نحو مئة رئيس دولة أو حكومة، لمواصلة نشاط ديبلوماسي مكثّف بينما تشتعل الصراعات في أوكرانيا وغزّة، مروراً بالسودان وجمهورية الكونغو الديموقراطية.
من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء أمس، في عشاء نظّمه لرؤساء الدول في متحف اللوفر: "سترون غداً أحد أروع حفلات الافتتاح".
الحفل المنظّم للمرّة الأولى في التاريخ خارج ملعب، ينطلق الساعة السابعة والنصف مساء (17:30 ت غ)، وينتهي ليلاً، لكنه شهد شكوكاً وتقلّبات، منذ نشوء فكرة ترك موقع الملعب "الآمن" لمصلحة زرع المدرّجات على ضفاف النهر.
قال رئيس اللجنة المنظّمة توني إستانغيه: "يُمثّل هذا الأمر تحدياً كبيراً"، فيما تراجع العدد الأساسي المقترح تدريجاً ليصبح 320 ألف متفرّج، 220 ألفاً منهم على ضفاف النهر مجاناً و100 ألف بطاقة مدفوعة بالقرب من النهر.
وبدت المناطق المطلّة على نهر السين مخيّماً حصيناً في آخر عشرة أيام، واقتصر عبور الحواجز الحديدية على الأشخاص المقيمين وأصحاب الحجوزات في الفنادق المزوّدين برمز المربع الثمين.
فُحصت كل القوارب التي تسير في النهر، وتخضع العبّارات والقوارب الـ85 التي ستنقل الرياضيين لرقابة صارمة.
آية ناكمورا، ليدي غاغا، سيلين ديون؟
تأهّبت قوى الأمن كما لم يحصل من قبل، مع وصول العديد إلى 45 ألفاً بين شرطة ودرك موزّعين على الطرق.
يُضاف إليها ألفا عنصر أمن خاص وألف شرطي من بلدية باريس. كما ستقوم فرقة قوامها عشرة آلاف عسكري بدعم هذه الترسانة الأمنية.
سيُنشر رماة "النقاط العالية" على أسطح باريس على طول النهر، لتحييد أي مسلّح يستهدف الحشود أو وفداً من الرياضيين على متن قارب أو رئيس دولة أو حكومة زائر. وأخيراً، وللمرة الأولى، ستعمل وحدات النخبة من الشرطة والدرك معاً.
سيعمل حوالي 200 شرطي من وحدة "ريد" (البحث، المساعدة، التدخل والردع) لضمان الأمن على النهر، وسيكون 350 من رجال الدرك التابعين لوحدة مكافحة الارهاب وإدارة الأزمات مسؤولين على تأمين الفضاءات، وسيقوم حوالي مائة شرطي من لواء البحث والتدخل "بي أر إي" التابعين لمفوضية الشرطة بحماية الأرصفة.
كما ستكون فرقة تدخل الدرك النخبوية "سي إي جيه أن" مسؤولة أيضاً عن تأمين تنقّلات رؤساء الدول والحكومات، وستضمن أيضاً حماية الرياضيين في الحافلات التي ستنقلهم إلى منطقة ركوب القوارب وأثناء ركوبها حتى النزول في ساحة تروكاديرو.
على الصعيد الفني، يعمل مخرج العرض توما جولي منذ 18 شهراً. ورغم إقراره بالتركيز على الإرث الفرنسي، يحتفظ بسرية مضمونه.
كلّ من نعرفه أنّ استعراض الدول على القوارب سترافقها 12 لوحة تصطف على مدى ستة كيلومترات بجانب النهر.
أقرّ جولي "الفكرة هي القول إنّه لا توجد فرنسا واحدة، بل العديد منها".
ومنذ أشهر عدّة، تسري تكهنات حول هوية الفنانين. الكندية سيلين ديون، الأميركية الليدي غاغا، الفرنسية-المالية آية ناكامورا المغنية الفرنكوفونية الأكثر استماعاً في العالم، من أبرز المرشحات، إلى جانب بعض المقاطع من أغاني إديت بياف وشارل أزنافور.
شكوك حول الأرصاد الجوّية
يرافق عرض السين عرضاً ديبلوماسياً مع حضور مئة شخصية بينها 85 رئيس دولة وحكومة على المنصّة الرسمية في ساحة تروكاديرو.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الغائب الأكبر، علماً أن بلاده موقوفة، ولن يتم عزف نشيدها في حال تتويج بعض الرياضيين المشاركين تحت علم محايد وبشروط صارمة خصوصاً عدم دعم الحرب ضد أوكرانيا.
كما يغيب الرئيس الصيني شي جينبينغ، وسيمثّله نائبه هان جنغ، فيما يرسل الرئيس الأميركي جون بايدن زوجته جيل بعد عزوفه عن الترشّح مجدّداً للبقاء في البيت الأبيض.
سيحضر الرئيس الاسرائيلي إسحق هرتسوغ تحت اجراءات أمنية مشدّدة ويتوقع أن يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش الافتتاح.
في المقابل، يُمثّل رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية جبريل الرجوب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقد أعربت إسرائيل، أمس الخميس، عن قلقها من "تهديدات إرهابية محتملة" تطاول رياضييها وسيّاحها، وذلك في رسالة وجّهتها الى الحكومة الفرنسية.
بعد العرض الفني، الأمن والدبلوماسية... تبقى مسألة الطقس.
لن تؤدّي أية عواصف أو موجات حرّ إلى تعطيل الحفل، فيما يبقى هطول بعض قطرات المطر وارداً.
وللسماح للرياضيين المشاركة في حفل الافتتاح، ستتوقّف المسابقات التي انطلق بعضها الجمعة. وحدها تمارين الرماية ستستمر صباحاً في منطقة شاتورو البعيدة عن باريس وعرضها المنتظر.