ينهمك المحللون العسكريون والسياسيون الإسرائيليون في تظهير توقّع وتقدير للرّد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، ولردّ "حزب الله" على اغتيال القيادي العسكري فؤاد شكر. لكن معظم التوقّعات يُشير إلى أن الرد الإيراني سيكون مباشراً، وقد يتزامن مع هجوم من الجماعات الإيرانية في المنطقة، في حين قد يستهدف ردُّ "حزب الله" منشآت حيوية في حيفا.
من جهته، كرّر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، "تقديرات الجيش الإسرائيلي، التي بموجبها سيكون الرد منسّقاً بين أطراف محور إيران"، وأن "من الجائز أن يكون الرد من خلال موجات من الهجمات تستمرّ لأيام معدودة. وعلى الأرجح أن تردّ إسرائيل عليها".
وكتب: "لأنّ أعضاء المحور يسعون الى الانتقام على استهداف القياديَين، باستهداف واسع للمدنيين، بالإمكان التقدير أن خطواتهم ستوجّه ضد منشآت عسكرية أو استراتيجية، كتلك المنتشرة في وسط إسرائيل وشمالها. واختيار أهداف في منطقة حيفا أو منطقة تل أبيب الكبرى يمكن أن يعتبر رداً ملائماً"، بادّعاء أن "استهدافاً إسرائيلياً مدروساً ضد هدف عسكريّ واضح، هو رئيس أركان حزب الله (فؤاد شكر)، لا يبدو كعملية من شأنها أن تدهور الأطراف إلى حرب".
لكنه لفت إلى أن اغتيال هنية في الأراضي الإيرانية في خلال الاتصالات حول صفقة تبادل أسرى، هو استفزاز للنظام الإيراني، الذي كان يستضيفه، "وهذا يضع الإيرانيين في مداولات حول عملية الرد".
وأضاف أن عمليتي الاغتيال تدلّان على أن لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سلّم أولويات خاصّاً به. "فنتنياهو معنيّ باستمرار الحرب في قطاع غزة، بينما المواجهة مع "حزب الله" في الشمال لا تزال أولوية ثانوية لديه. وهو يسعى إلى عدم التورّط في حرب إقليمية؛ ولذلك هو ليس في صدد مواجهة متصاعدة مع "حزب الله"، وبإمكان الوضع في الشمال أن يبقى على حاله بالنسبة إليه".
وبحسب هرئيل، فإن نتنياهو ليس مهتماً بصفقة تبادل أسرى تؤدي إلى وقف نار في القطاع، رغم أنّه لمّح في خطابه في الكونغرس إلى تقدّم المفاوضات غير المباشرة مع "حماس". "وهذه الضبابية موجّهة نحو الجيش الإسرائيلي أيضاً. ويشعر الضباط الكبار كأنّهم مقاولو القصف. ورأيهم ليس مهماً".
وأشار إلى أن وزير الدفاع يوآف غالانت يدعو بشكل متواصل إلى صفقة تبادل أسرى، "ويؤيده في ذلك جميع قادة الأجهزة الأمنية. ونتنياهو يعتزم إقالة غالانت واستبداله بجدعون ساعر. والسؤال المطروح منذ فترة هو متى سيحين الوقت الذي سيقف فيه قادة الأجهزة الأمنية علناً إلى جانب غالانت؟".
من جانبه، اعتبر المحلّل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور، أن اغتيال شكر كقائد عسكري كبير لـ"حزب الله"، سمح أيضاً لإسرائيل "بالتأثير على طبيعة ردّ الحزب. وسيكون الرد شديداً طبعاً، وقد يشمل هجوماً مشتركاً لمجمل المحور الإيراني، وإيران نفسها. لكنّه يرجح أن يوجه الرد نحو أهداف عسكرية واستراتيجية، كيلا تكون لدى إسرائيل حجة برفع سقف القتال مرّة أخرى".
لكن ليمور أشار إلى أن "إسرائيل لم تقدر بشكل صحيح الرد الإيراني في نيسان، واعتقدت أن المرشد الأعلى علي خامنئي لن يأمر بهجوم وحشيّ يشمل إطلاق 350 طائرة مسيّرة وصاروخاً في اتجاه إسرائيل".
وأضاف أنه "ينبغي الأخذ في الحسبان أن خامنئي سيجنّ الآن مرة أخرى، سواء أكان ذلك بسبب المسّ بكرامته، أو لأنه يرصد ضعفاً إسرائيلياً. كذلك يتعيّن على إسرائيل أن تكون متيقّظة أكثر من الماضي حيال إمكان أن يأمر خامنئي بزيادة وتيرة التقدّم نحو قدرات نووية، ويضمن ذلك محاولة استغلال الفوضى الإقليمية والفوضى السياسية في الولايات المتحدة وتنفيذ تجربة نووية تضع العالم أمام حقيقة منجزة".
وتابع: إن رد "محور إيران" قد يتأخر من أجل التنسيق بين أطرافه، "وكذلك من أجل طهو إسرائيل على نار خافتة قبل مهاجمتها. وانتظار الرد ليس جيداً لإسرائيل. فرحلات شركات الطيران تُلغى، والدولار يرتفع، وكثيرون يتردّدون جداً حيال مغادرة بيوتهم".
وشدّد على أن "الرد آت في نهاية الأمر. وبتقدير حذر، سيكون سقفه الأدنى استهداف أهداف في خليج حيفا، وسقفه الأعلى في تل أبيب. وبينها توجد خيارات كثيرة. لكن إذا تلقت إسرائيل ضربة مؤلمة، فإنها ستضطر إلى الرد، والتعرض لضربة مجدداً، والمنطقة ستنزلق إلى عتبة حرب شاملة".
وحذّر من الاستجابة لدعوات مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين بشنّ حرب واسعة ضد لبنان. "وإذا تعلمنا شيئاً في غزة فهو أنّ الحرب ليست رحلة في متنزّه. وهي تستغرق وقتاً، ومعقّدة، ولها أثمان باهظة. ولبنان أصعب بكثير من غزة، و"حزب الله" أقوى من "حماس" بمئة مرّة، ولن يكون ضدّه حسم سريع وانتصارات جارفة".
بدوره، أشار المحلل العسكري في القناة 13 ألون بن دافيد، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "معاريف"، إلى أن اغتيال هنية "يعكس قدرة عملياتيّة نضجت على مدار أشهر طويلة وفرصة سانحة".
لكنه أضاف أنه "عندما ننظر إلى تاريخ الاغتيالات التي نفّذتها إسرائيل"، فإن قيادياً جديداً حلّ مكان القيادي الذي اغتيل. "وهناك أفراد قلائل اغتيلوا وأبقوا فراغاً بعدهم وكان يصعب ملؤه، بينهم رئيس أركان "حزب الله" السابق عماد مغنية، وقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني. وفقدانهما ملحوظ في لبنان وإيران حتى اليوم".
وادعى بن دافيد أنه "إذا كان اغتيال هنية عملية عسكرية وحيدة، فإنها ستكون عديمة الأهمية. ففي موازاة تفكيك حماس في غزة، إسرائيل ملزمة شنّ حملة لإبادة القيادة كلها، السياسية والمدنية والعسكرية. وعلى إسرائيل أن تشنّ حملة غضب الرب 2 (اغتيال قادة منظمة "أيلول الأسود") والقضاء على قيادة حماس كلها".