طالب قادة الاحتجاجات الطلّابية في بنغلادش، الثلثاء، بتولي محمد يونس الحائز جائزة نوبل حكومة تصريف أعمال، غداة سيطرة الجيش على البلاد بعدما أجبرت التظاهرات الواسعة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة على الاستقالة والفرار.
وخرج الملايين إلى الشوارع على مدى الشهر الماضي لمطالبة حسينة (76 عاما) التي تولت السلطة منذ العام 2009 بالاستقالة.
وقتل المئات فيما سعت قوات الأمن لإخماد الاحتجاجات، لكن اتسعت رقعة الاحتجاجات لتضطر حسينة أخيرا لمغادرة بنغلادش على متن مروحية الاثنين مع وقوف الجيش ضدّها.
وأعلن قائد الجيش الجنرال وقر الزمان الاثنين في بث على التلفزيون الرسمي استقالة الشيخة حسينة من منصبها كرئيسة للوزراء مؤكدا أن الجيش سيشكّل حكومة موقتة.
وقال وقر بعد وقت قصير من اقتحام الحشود مقر إقامة حسينة ونهبه إن "البلد عانى كثيرا وتضرر الاقتصاد وقُتل عدد كبير من الناس، حان الوقت لوقف العنف".
وحل الرئيس البرلمان الثلثاء، وهو مطلب رئيسي للقادة الاحتجاجات الطلابية وحزب بنغلادش الوطني المعارض الرئيسي.
ويتوقع بأن يجتمع وقر مع قادة الاحتجاجات الطلّابية الثلثاء لبحث مطلبهم المتمثّل بتولي أعلن الطلاب الذين نظّموا الاحتجاجات قبيل اجتماعهم مرتقب مع قائد الجيش أنهم سيضغطون من أجل تولي محمد يونس (84 عاما) الحائز على جائزة نوبل الحكومة الموقتة.
وأُفرج الثلثاء عن رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء بعدما قضت سنوات قيد الإقامة الجبرية، وفق ما أفاد بيان للرئاسة وحزبها.
سجنت حسينة رئيسة الوزراء السابقة البالغة 78 عاما والتي تعاني من وضع صحي متدهور عام 2018 بتهم الفساد.
- "نثق بالدكتور يونس" -
ويصر الطلبة أيضا على وجوب حل البرلمان، وهي دعوة رددها حزب المعارضة الرئيسي "حزب بنغلادش الوطني" الذي يطالب بانتخابات في غضون ثلاثة أشهر.
وكتب القائد في حركة "طلاب ضد التمييز" آصف محمد على فيسبوك "نثق بالدكتور يونس".
وبينما لم يعلّق يونس على الدعوة، قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "ذي برنت" إن بنغلادش كانت "بلدا محتلا" في عهد حسينة مضيفا "يشعر جميع سكان بنغلادش اليوم أنه تم تحريرهم".
وبدت شوارع دكا هادئة إلى كبير الثلثاء إذ استؤنفت حركة السير وفتحت المتاجر أبوابها، لكن المقار الحكومية بقيت مغلقة بعد يوم شهد أعمال عنف أودت بحياة 113 شخصا على الأقل.
وخرج الملايين إلى شوارع دكا للاحتفال بعد إعلان وقر الاثنين، رغم أن الحشود اقتحمت أيضا ونهبت مقر إقامة حسينة الرسمي.
وقال سازيد أحناف (21 عاما) "أشعر بسعادة بالغة"، مشبّها ما حدث بحرب الاستقلال التي انفصلت بلاده على اثرها عن باكستان قبل أكثر من خمسة عقود. وأضاف "تحررنا من دكتاتورية".
- اليوم الأكثر دموية -
في المقابل، سادت كذلك مشاهد الفوضى والغضب إذ أعلنت الشرطة بأن حشودا شنّت هجمات انتقامية على حلفاء حسينة.
وكانت حصيلة القتلى الاثنين الأعلى التي تُسجّل خلال يوم واحد منذ بدء الاحتجاجات مطلع تموز، ما يرفع إجمالي قتلى التظاهرات إلى 413، بحسب تعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادًا إلى بيانات صادرة عن الشرطة ومسؤولين حكوميين وأطباء في المستشفيات.
والاثنين اقتحم متظاهرون البرلمان وأحرقوا محطات تلفزيونية بينما حطّم عدد منهم تماثيل لوالد حسينة، الشيخ مجيب الرحمن بطل الاستقلال.
وأضرم آخرون النار في متحف مخصص للزعيم السابق لتلتهم ألسنة اللهب الصور في مشهد لم يكن من الممكن تخيله قبل ساعات فقط، عندما كانت حسينة تحظى بدعم القوات الأمنية لحكمها الاستبدادي.
وأفاد شهود عيان فرانس برس بأن مكاتب رابطة عوامي، حزب حسينة، تعرضت إلى الحرق والنهب في أنحاء البلاد.
كما أفاد شهود بأن بعض الأعمال التجارية والمنازل المملوكة للهندوس، وهي فئة يرى البعض في الدولة ذات الغالبية المسلمة بأنها كانت مقرّبة من حسينة، تعرّضت لهجمات.
وعبّر وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جيشانكار عن "قلقه البالغ إلى حين إعادة فرض القانون والنظام بشكل واضح" في بنغلادش، مؤكدا لأول مرة بشكل رسمي بأن حسينة في الهند التي فرّت إليها الاثنين فيما اقتحم المحتجون قصرها.
وأفاد مصدر عالي المستوى بأن حسينة ستتوقف في الهند قبل استكمال رحلتها إلى لندن، لكن دعوات الحكومة البريطانية إلى فتح تحقيق تقوده الأمم المتحدة في "مستويات العنف غير المسبوقة" تثير الشكوك حيال ذلك.
وأعلنت نقابة الشرطة الرئيسية في بنغلادش الثلثاء أن عناصرها سيلزمون إضرابا.
وأفادت "جمعية شرطة بنغلادش" التي تمثل آلاف الشرطيين، في بيان أنه "إلى أن يتم ضمان سلامة كل من أفراد الشرطة، نعلن الإضراب".
وأعلنت في بيانها "نطلب الصفح عما قامت به قوات الشرطة للطلاب الأبرياء" بعدما استخدمت الشرطة العنف وأطلقت النار على المتظاهرين.
- الإفراج عن سجناء سياسيين -
وبدأت الاضطرابات الشهر الماضي على شكل احتجاجات ضد توزيع الوظائف الحكومية بموجب نظام الحصص قبل أن تتصاعد لاحقا إلى دعوات أوسع لحسينة للاستقالة.
واتّهمت مجموعات حقوقية حكومتها بسوء استغلال مؤسسات الدولة لتعزيز قبضتها على السلطة والقضاء على أي معارضة، بما في ذلك عبر قتل ناشطي المعارضة خارج نطاق القضاء.
واجتمع قائد الجيش مع الرئيس محمد شهاب الدين ليل الاثنين إلى جانب شخصيات بارزة من المعارضة، فيما أكد الفريق الإعلامي التابع للرئاسة بأنه تم اتّخاذ "قرار بتشكيل حكومة موقتة فورا".
وانتظرت أمّهات مئات السجناء السياسيين الذين احتجزوا سرّا في عهد حسينة خارج مبنى للاستخبارات العسكرية في دكا الثلثاء، على أمل الحصول على أخبار عن أبنائهم.
وقالت سانجيدا إسلام تولي وهي منسقة مجموعة "ماير داك" ("نداء الأمّهات") المطالبة بإطلاق سراح الأشخاص الذين اعتقلتهم قوات الأمن في عهد حسينة "نحتاج إلى إجابات".
ويعرف عن بنغلادش تاريخها الطويل في الانقلابات.
أعلن الجيش حالة طوارئ في كانون الثاني 2007 عقب اضطرابات سياسية واسعة وشكل حكومة تصريف أعمال مدعومة من الجيش استمرت عامين.
وحذر مايكل كوغلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون في واشنطن، من أن رحيل حسينة "سيترك فراغا كبيرا" مشيرا إلى أن البلاد دخلت في "المجهول". وقال إن "الأيام المقبلة حاسمة".