أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة مشاورات مع القوى السياسية الرئيسية في فرنسا مستقبلا المعارضة اليسارية في أول مبادرة له عقب مهلة وفرتها دورة الألعاب الأولمبية اذ يسعى إلى تشكيل حكومة بعد الانتخابات الأخيرة.
ويبدو هذا اليوم طويلا وضاغطا على الرئيس الذي يواجه اعتراضات داخل معسكره حتى، منذ اتخذ قرارا شبه منفرد بحل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات مبكرة، غداة انتخابات برلمانية أوروبية كانت نتائجها كارثية لمعسكره.
وتدير حكومة غابريال أتال المستقيلة والمكلفة تصريف الأعمال الشؤون الحالية للبلاد منذ 38 يوما، وهي مدة غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، مع اقتراب استحقاقات كبيرة تتعلق بالميزانية.
وفي محاولة للخروج من الأزمة، أطلق ماكرون هذه الجلسات عند الساعة 10,30 (09,30 ت غ) باستقباله في قصر الإليزيه الجبهة الشعبية الجديدة وهو تحالف ظرفي يضم قوى اليسار من يسار راديكالي واشتراكيين ومدافعين عن البيئة وشيوعيين، حقّق مفاجأة بحصوله على 193 نائبا بعيدا عن الغالبية المطلقة البالغة 289 مقعدا.
ولدى وصولها إلى قصر الإليزيه، أكدت مرشحة الجبهة لمنصب رئاسة الوزراء الموظفة الرسمية الرفيعة المستوى لوسي كاستيه، أنها تحمل "حلا للاستقرار" في البلاد.
وأضافت "جئنا لنذكر الرئيس بأهمية احترام نتائج الانتخابات وإخراج البلاد من حالة الشلل التي تعيشها".
وعند الساعة 13,00 يستقبل ماكرون المسؤولين في معسكره ومن ثم اليمين الجمهوري. وقد حصل معسكر ماكرون على 166 مقعدا.
وينهي يومه مع تشكيلين أقل حجما قبل إجراء مباحثات جديدة الاثنين مع اليمين المتطرف المؤلف من التجمع الوطني وحلفائه (142 نائبا) وهم الوحيدون الذين يستبعدون المشاركة في ائتلاف حكومي ويستعدون للاستحقاقات المقبلة ولا سيما الانتخابات الرئاسية في 2027.
وأوضح الإليزيه الخميس أن هذه المشاورات تهدف إلى "الوقوف على الشروط" لقبول هذه القوى السياسية تشكيل "غالبية واسعة" مؤكدا أن الرئيس "ضامن المؤسسات".
وأضاف المصدر نفسه أن "الاستقرار" يعني "قدرة الحكومة على عدم السقوط أمام أول مذكرة لحجب الثقة ضدها".
- ميزانية في مطلع تشرين الأول -
في صفوف اليسار، تصر الجبهة الشعبية الجديدة بشراسة على مرشحتها وتتهم ماكرون بالمماطلة لتجنب التعامل مع اليسار.
وندد حزب "فرنسا الأبية" (يسار راديكالي) الجمعة والذي يهيمن على الجبهة بـ"السلوك الاستبدادي" للرئيس.
وقال منسق الحزب مانويل بومبار "يجب أن يتقبل هزيمته، لقد أضعنا الكثير من الوقت".
ورأت زعيمة الخضر مارين تونديلييه أن ماكرون يمارس "التقاعس" و"العرقلة".
إلا ان المأزق لا يزال مستمرا إذ يستبعد ماكرون تعيين لوسي كاستيه فيما يهدد المعسكر الرئاسي واليمين واليمين المتطرف بمذكرة حجب ثقة عن أي حكومة تضم وزراء من حزب "فرنسا الأبية".
ويثير الحزب معارضة كبيرة ويتهم خصوصا بمراعاة حركة حماس الفلسطينية في الحرب الجارية بينها وبين الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وحتى بمعاداة السامية.
وأثار زعيم الحزب جان-لوك ميلانشون الذي تنقسم الآراء كثيرا حوله امتعاضا في صفوف تكتل اليسار بتهديده بالمطالبة بإقالة رئيس الجمهورية.
وفيما يستمر الرئيس برفض تولي الجبهة الشعبية الجديدة حكومة برئاسة كاستيه تضم وزراء من فرنسا الأبية، ما هي الخيارات المتاحة لتولي رئاسة الحكومة؟
في صفوف الوسط لا يجرؤ المعسكر الرئاسي على المبادرة. أما في صفوف اليمين يتحفظ الجمهوريون على احتمال التوصل إلى اتفاق بشأن الحكومة. وتبدي أطراف أخرى قدرا أكبر من الانفتاح وتسري اسماء رؤساء وزراء سابقين وصولا إلى اليسار الوسط.
وعادت المبارزات الكلامية التي كانت مسيطرة قبل الالعاب الاولمبية لتسيطر مجددا فيما البلاد أمام استحقاق إعداد ميزانية العام 2025 بحلول الأول من تشرين الأول.
ويعد اليسار بسياسة بعيدة كل البعد عن تلك الراهنة مع زيادة الحد الأدنى للأجور وإلغاء إصلاح نظام التقاعد الذي لا يحظى بقبول.