منذ شهر أيار الماضي، كثّفت الولايات المتحدة جهودها الديبلوماسية وعملت على التواصل مع الأطراف الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما مصر وقطر، من أجل التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل رهائن في قطاع غزّة، لكن هذه الجهود لم تصل إلى نتيجة بعد نتيجة رفض "حماس" وإسرائيل التراجع عن شروطهما، مع العلم أن الحركة أبدت مرونة أكثر من تل أبيب، ووافقت على مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن الذي كشفه خلال شهر أيّار الماضي.
وتعمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي لم يتبق لها سوى أربعة أشهر على تكثيف جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة مع إبداء تفاؤلها في العلن، على الرغم من أسابيع من التعثر والانتكاسات.
ولا شك أن تحقيق اختراق في المحادثات سيمثل دفعة كبيرة لحظوظ المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس في السباق إلى البيت الأبيض.
ويرى خبراء على أي حال أن واشنطن ليس لديها من خيار سوى الاستمرار في المحاولة.
ومنذ إعلان إسرائيل في الأول من ايلول/سبتمبر استعادة ستة رهائن قالت إن حماس قتلتهم في جنوب غزة، أحدهم يحمل الجنسية الأميركية، شددت إدارة بايدن على ضرورة التوصل إلى هدنة، حتى مع إصرار بنيامين نتانياهو على عدم تقديم أي تنازلات على الرغم من الاحتجاجات الجماهيرية من الإسرائيليين الذين يؤيدون التوصل إلى اتفاق.
وحضّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس كلا من إسرائيل وحركة حماس على ابرام اتفاق قال مسؤولون أميركيون إنّه أنجز بنسبة 90%.
وأكد "من واجب الطرفين التوصل لاتفاق بشأن القضايا العالقة".
وأقر الوزير الأميركي بأنه لحين الحصول على موافقة نهائية من كلا الجانبين، فإن الاتفاق الذي يتم التفاوض عليه لوضع حد لأحد عشر شهرا من إراقة الدماء قد ينهار في أي لحظة.
وقال إن كل يوم قد يجلب "حدثا فاصلا يتسبب ببساطة بإبطاء الأمور ويخاطر بإفشالها نظرا لحساسية الوضع".
عرض الرئيس الأميركي في 31 أيار/مايو خطة لوقف القتال لستة أسابيع في المرحلة الأولى وتتضمن إطلاق سراح عدد من الرهائن بمن فيهم النساء والمسنون والجرحى مقابل "إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين" لدى إسرائيل.
وتعثّرت المحادثات للتوصل إلى هدنة في الأسابيع الماضية بسبب خلافات أبرزها الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر المعروف باسم "محور فيلادلفيا" الذي يصرّ رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو على إبقاء قوات إسرائيلية فيه، في حين تتمسك حماس بانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع.
وسعت الولايات المتحدة، بالتعاون مع الوسيطين القطري والمصري، في الأسابيع الأخيرة إلى العمل على جسر الفجوات المتبقية.
ويبحث الوسطاء الأميركيون عن صيغة تحدد أين ومتى تنسحب القوات الإسرائيلية، حيث يتحدث الاتفاق عن الانسحاب من المناطق "المكتظة بالسكان"؛ ولكنهم بحاجة أيضا إلى تهدئة غضب مصر، أول دولة عربية وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل.
حسابات انتخابية
ترى ميريسا خورما، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون في واشنطن أنه على الرغم من الدبلوماسية الأميركية المكثفة، وارتفاع حصيلة القتلى، ومطالبة الشارع الإسرائيلي بالتوصل لاتفاق، يعتقد نتانياهو وزعيم حماس يحيى السنوار أن بقاءهما السياسي على المحك في حال قبولهما الاتفاق.
وقالت "بصراحة لا أتوقع أي تقدم كبير. وأعتقد أن نتانياهو على وجه الخصوص يدرك تمام الإدراك الاستحقاقات السياسية الأميركية والمكونات المحلية لديه".
قدم بايدن دعما قويا للدولة العبرية بعد هجوم السابع من تشرين الاول/اكتوبر الذي شنته حماس وأسفر عن مقتل 1205 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، حسب تعداد لفرانس برس يستند إلى بيانات رسمية. ويشمل الرهائن الذين قضوا خلال احتجازهم.
وانتقد إسرائيل أيضا بسبب عدم بذل مزيد من الجهود لحماية المدنيين في حملتها العسكرية المتواصلة في غزة التي خلفت ما لا يقل عن 40939 قتيلا على الأقل، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
لكن بايدن، باستثناء مرة واحدة، لم يلجأ لاستخدام ورقة الضغط الرئيسية وهي الحد من مليارات الدولارات من الأسلحة الأميركية لإسرائيل - مما أثار غضب البعض في الجناح اليساري لحزبه.
بينما يؤيد الحزب الجمهوري إسرائيل بشكل ساحق.
وبحسب المعهد العربي الأميركي الذي يدعو إلى دعم أكبر للفلسطينيين، فإن استطلاعات الرأي التي أجراها أظهرت بأن كامالا هاريس قد تكسب أكثر مما تخسر حال اتخذت موقفا أكثر صرامة تجاه إسرائيل، في حين أن العكس صحيح بالنسبة لترامب.
محاولة
ويتفق غيث العمري، وهو زميل بارز في معهد واشنطن، على أن نتانياهو وحماس غير مهتمين بسد الفجوات، وأشار إلى صعوبة القضايا المتبقية.
وقال "مجرد أننا أنجزنا 90 % لا يعني أننا أقرب إلى التوصل إلى اتفاق".
وبحسب العمري الذي شغل في السابق منصب مستشار للسلطة الفلسطينية "لا أعتقد أن المفاوضين الأميركيين ساذجون. فهم يدركون صعوبة الأمر. ولكنني أعتقد أن ما نراه الآن هو محاولة من جانب الولايات المتحدة لإبقاء المفاوضات حية".
وقال بلينكن الخميس إنه لا يزال يأمل في إبرام اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية قبل انتهاء ولاية بايدن، آملا في تحفيز نتانياهو.
وقال "أعتقد أنه إذا تمكنّا من التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فيمكننا المضيّ قدماً على مسار التطبيع".
لكن بحسب العمري فإنه يتوجب على واشنطن أيضا مواصلة الدفع باتجاه وقف لإطلاق النار لإعادة الاستقرار في منطقة البحر الأحمر ومنع تصعيد النزاع في المنطقة بما في ذلك اندلاع حرب بين اسرائيل ولبنان.
وقال "هذا الشرق الأوسط. يمكن أن يزداد الأمر سوءا دائما، وهذا ما يحدث عادة".