النهار

ذوبان الأنهر الجليديّة في آسيا الوسطى يهدّد المنطقة برمّتها
المصدر: أ ف ب
ذوبان الأنهر الجليديّة في آسيا الوسطى يهدّد المنطقة برمّتها
صورة ارشيفية- نهر أديجي الجليدي عند سلسلة جبال تيان شان في قرغيزستان (8 تموز 2024، أ ف ب).
A+   A-
على ارتفاع نحو 4 آلاف متر فوق سطح البحر في قرغيزستان، تظهر العالمة غولبارا أوموروفا كومة من الحطام الصخري في مكان كان يشكل نهرا جليديا قبل أن يختفي تماما... ففي آسيا الوسطى التي تعاني أصلا من نقص في المياه، يهدد ذوبان الأنهر الجليدية المنطقة برمّتها.

وتقول عالمة الجليد في شمال البلاد وسط جبال تيان شان التي تمتد عبر آسيا الوسطى "كان حتى ذوبانه قبل ثلاث إلى أربع سنوات نهرا جليديا مهيبا إلى حدّ كبير، يشهد ثلوجا حتى في منتصف الصيف".

تُعتبر الأنهر الجليدية بمثابة أبراج مياه مهمة للأمن الغذائي لسكان آسيا الوسطى، إذ تغذي الأنهر خصوصا خلال الأشهر التي لا تهطل فيها الأمطار.

لكنّ هذه الخزانات الحيوية من المياه العذبة تتضاءل بشكل لا مفر منه في هذه المنطقة القاحلة وغير الساحلية التي تبعد آلاف الكيلومترات عن أقرب البحار.

وتقول أوموروفا البالغة 35 عاما والتي وصلت بعد ست ساعات من المشي إلى أعلى محطة علمية في آسيا الوسطى متواضعة لكن مهمة لدراسة الأنهر الجليدية "نقيس الذوبان في مختلف الأنهر من خلال أجهزتنا"، مضيفة "لا يمكن للأنهر الجليدية أن تتعافى بسبب ارتفاع درجات الحرارة".

وعلى مسافة أبعد بقليل، تشير غولبارا أوموروفا إلى نهر أديجين الجليدي الذي انخفضت مساحته "بنحو 16 مترا كل عام، أي أكثر من 900 متر منذ ستينات القرن العشرين".

وهذا الوضع يعكس الاتجاه الإقليمي، إذ ذابت ما بين 14% إلى 30% من الأنهر الجليدية في تيان شان وبامير، وهما سلسلتان جبليتان رئيسيتان في آسيا الوسطى، على مدار السنوات الستين الفائتة، بحسب بنك التنمية الأوراسي.

- وسائل غير كافية -
وتثير البيانات التي تحدثت عنها أوموروفا القلق، فيما يُرجَّح أن يكون 2024 العام الأكثر حرّا على الإطلاق، بحسب توقعات مرصد كوبرنيكوس الأوروبي للتغير المناخي.

وتضيف المتخصصة "إن الذوبان أصبح أكثر كثافة مما كان عليه في السنوات السابقة"، مشيرة إلى انخفاض مستوى الجليد سنتيمترات عدة.

لكنّ الموارد غير كافية في قرغيزستان، إحدى أفقر جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة.

وتقول أوموروفا "نفتقر إلى معدات قياس، ولا يوجد ما يكفي من المال لنقل كل شيء إلى محطة المراقبة الخاصة بنا، حيث لا كهرباء حتى"، داعية إلى وضع قانون لحماية الأنهر الجليدية.

تحت قدميها، اتخذ نهر أديجين الجليدي لونا رماديا. وتصب المياه الذائبة في بحيرة قبل أن تندفع إلى أسفل الجبل في سيل باتجاه العاصمة بيشكيك.

وفي أسفل الوادي، على ارتفاع 2200 متر، ينشغل الأخوة العلماء إروخين وسيرغي وبافيل عند حافة هذا السيل الذي قد يكون خطرا بسبب ذوبان الأنهر الجليدية المتسارع.

ويقول الأخ الأكبر سيرغي (72 سنة) لوكالة فرانس برس "عندما تذوب الأنهر الجليدية، تتشكل بحيرات تتراكم فيها المياه وقد تطوف. وتحمل هذه الكتلة من المياه الصخور معها، وتتساقط في الوادي وقد تصل إلى المدينة".

ويتابع "مهمتنا تقوم على مراقبة الوضع في الجبال العالية، والتنبؤ بأي انهيار قد يصيب  البحيرات الجليدية، ورسم خرائط حتى لا يتضرر السكان أو البنية التحتية في هذه المناطق الخطرة".

ويغيّر الأخ الأصغر سنا بافيل بطارية جهاز استشعار "مثبت على ارتفاع نحو 50 سنتمترا فوق الماء يصدر إشارة راديوية في حالة حدوث فيضان".

- تقاسم معقّد للمياه-
وعلى المستوى الإقليمي، يظل التوزيع المعقد للمياه في آسيا الوسطى والذي صُمم في مرحلة الاتحاد السوفييتي وبات قديما، موضوعا شائكا رغم تحسّن التعاون بين الدول.

وتتهم الدول بعضها بعدم احترام التزاماتها المتبادلة بتوفير المياه، في ظل خطر اندلاع صراع.

وتقول أوموروفا "في آسيا الوسطى، إنّ موارد المياه موجودة في قرغيزستان وطاجيكستان"، وهما دولتان يصل ارتفاع القمم فيهما إلى 7500 متر، وفي كل منهما نحو مئة ألف نهر جليدي.

وتضيف "نتقاسم المياه مع جيراننا الذين يقطنون عند المصب"، في إشارة إلى كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان، وهي بلدان صحراوية متعطشة للمياه إذ يعيش ثلاثة أرباع سكان آسيا الوسطى البالغ عددهم نحو 80 مليون نسمة.

وتعمل كل من قرغيزستان وطاجيكستان على زيادة المبادرات الرامية إلى لفت الانتباه إلى الكارثة التي تلوح في الأفق. ومع بعض النجاح، أعلنت الأمم المتحدة 2025 "عام الحفاظ على الأنهر الجليدية".

وقال رئيس قرغيزستان  صدير جباروف العام الفائت "إذا تقلصت مساحة الأنهر الجليدية (في آسيا الوسطى) بمقدار النصف بحلول عام 2050، بحسب التوقعات السابقة، ثم اختفت تماما بحلول عام 2100، فإن ذلك قد يحدث في الواقع بسرعة أكبر بكثير".

وتواجه الأنهر الجليدية في آسيا الوسطى تهديدا آخر يتمثل في الرغبة المتزايدة في الموارد الطبيعية الهائلة في المنطقة، مثل التربة النادرة والذهب.

ويساهم استخراجها في المناطق الجبلية بالمواد الكيميائية، في تراكم الغبار على الأنهر الجليدية وتسريع ذوبانها.

اقرأ في النهار Premium