أعلن قصر الاليزيه لوكالة فرانس برس، الجمعة، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيقوم بزيارة دولة إلى المغرب في نهاية تشرين الأول بهدف ترسيخ إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بعد فترة فتور طويلة.
ووجه العاهل المغربي الملك محمد السادس الخميس رسالة دعوة إلى الرئيس الفرنسي بهذا الموعد أشاد فيها بـ"الآفاق الواعدة التي ترتسم لبلدينا"، كما أوضحت الرئاسة الفرنسية.
ونقل قصر الإليزيه عن الملك قوله إن هذه الزيارة ستكون "فرصة لمنح شراكتنا الاستثنائية رؤية متجددة وطموحة تغطي عدة قطاعات استراتيجية وتأخذ في الاعتبار أولويات بلدينا".
فتحت فرنسا صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد بادرة مهمة قام بها الرئيس الفرنسي تجاه المغرب من خلال دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمته الرباط للصحراء الغربية المتنازع عليها.
وأبلغ ماكرون العاهل محمد السادس في في رسالة وجهها له في 30 تموز أن مخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط هو "الأساس الوحيد" للتوصل إلى تسوية للنزاع المستمر منذ نحو خمسين عاما مع جبهة البوليساريو بشأن مصير الصحراء الغربية.
وكانت واشنطن وبرلين ومدريد سبقت باريس إلى تأييد الخطة التي طرحتها الرباط عام 2007 وتقترح فيها منح المستعمرة الإسبانية السابقة حكما ذاتيا تحت سيادتها.
وتحت ضغط من الرباط، أيدت فرنسا القوة الاستعمارية السابقة التي تضم جالية مغربية كبيرة الخطة.
يسيطر المغرب على 80% من مساحة الصحراء الغربية التي تعتبرها الأمم المتحدة من "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، فيما تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر والتي تخوض نزاعا مع الرباط منذ 1975، بالسيادة عليها.
- غضب جزائري -
وكتب الرئيس ماكرون في رسالته إلى العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتوليه العرش، أن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية"، بدون أن يعترف صراحة بأن هذه المنطقة جزء من المغرب.
ونددت الجزائر الداعمة للجبهة الصحراوية بالموقف الفرنسي وسحبت سفيرها لدى فرنسا بأثر فوري، ما أدى إلى مفاقمة التوتر بين البلدين.
وتدعو جبهة البوليساريو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير برعاية الأمم المتحدة نصّ عليه اتّفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.
والصحراء الغربية غنية بالأسماك وفوسفات ولها إمكانات اقتصادية كبيرة.
من خلال زيارته إلى المغرب التي تأجلت مرات عدة منذ العام 2022، يعتزم ماكرون أيضا طي صفحة سلسلة من التوترات الأخرى.
وأثار سعي ماكرون إلى التقارب مع الجزائر في حين قطعت الأخيرة علاقاتها الديبلوماسية مع الرباط في العام 2021، غضب شديدا في المغرب.
وفي عام 2021، تعرض القرار الفرنسي بتخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف لانتقادات.
وهدفت فرنسا من خلال هذا القرار إلى دفع الرباط للتعاون بشكل أكبر في مسائل الهجرة غير الشرعية، وكذلك بلدان المغرب العربي الأخرى وخصوصا تونس والجزائر.
لكن بعد مرور أكثر من عام ونيف، تراجعت باريس عن قرارها وأعادت سياسة التأشيرات إلى وضعها السابق.
- آفاق اقتصادية -
في الجانب الفرنسي، أبدت السلطات امتعاضها بعدما كشف تحقيق صحافي استقصائي استهداف المغرب أرقام هواتف ماكرون ووزراء في عام 2019 ببرنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس"، وهي اتهامات نفتها الرباط.
ويفتح التقارب الفرنسي المغربي آفاقا اقتصادية وتجارية جديدة أمام الشركات الفرنسية التي تأثرت في السنوات الأخيرة جراء التوترات بين البلدين.
بعد يومين من نشر رسالة ماكرون إلى العاهل المغربي رسميا، فازت شركة "إيجيس" الفرنسية للهندسة بالاشتراك مع نظيرتها "سيسترا" وشركة "نوفيك" المغربية بعقد لمد خط سكك حديد للقطارات السريعة بين مدينتي القنيطرة ومراكش.
وتعتبر الصحراء الغربية التي تملك موارد هائلة على صعيد طاقة الشمس والرياح، منطقة إستراتيجية للنمو الاقتصادي في المغرب الذي يتجه نحو الطاقات المتجددة ويأمل في إيجاد موقع له في سوق الهيدروجين الأخضر.
وباشرت شركات فرنسية ومغربية العمل في الصحراء الغربية، من بينها مجموعة "إنجي" الفرنسية للطاقة التي تقوم حاليا بالاشتراك مع "ناريفا" المغربية ببناء محطة لتحلية مياه البحر في مدينة الداخلة.
إلى ذلك تسعى فرنسا إلى وضع علاقتها مع الجزائر في مسارها الصحيح رغم التوترات.
وأعلن ماكرون أنه "مصمم" على "مواصلة عمل الذاكرة والحقيقة والمصالحة" مع الجزائر على خلفية الاستعمار الفرنسي، بعد إعادة انتخاب نظيره عبد المجيد تبون في 7 أيلول، موجها له "أحر التهاني".