كان حلماً لها أن تقتني حافلة "فولكس فاغن"، لكنّها لم تتوقّع أن يتحقّق بهذه السرعة، وأن تملك وسيلتها لبيع الخضار ولاستقلاليّتها الماديّة، وصارت "حزّك مزّك".
تقول فيرونيكا بائعة الخضار لـ"النهار" إنّها درست إدارة الأعمال، وسافرت للعيش والعمل في رومانيا منذ 10 أشهر، "لكنني لم أحبّ الغربة أبداً"، فعادت إلى لبنان، بالرغم من سوء الوضع الاقتصاديّ، وحرصت على القيام بعمل يُسعدها كلّ يوم، تتعرّف في خلاله على أشخاص جدد يوميّاً، بعيداً من الوظائف التقليديّة.
لدى عودتها من السفر وزيارتها بلدتها الرميلة، رغبت ابنة الـ22 عاماً في تأسيس عملٍ خاص بها في لبنان. وكانت فكرة الخضار فكرة "مجنونة" تشبهها، وفق تعبيرها.
تذكّرت حافلة "فولكس فاغن" جوّالة لبيع الخضار يجول صاحبها في البلدة منذ 20 عاماً. استوحت منه الفكرة، وطبّقتها على طريقتها.
اشترت حافلة صغيرة، ثمّ تعلّمت قيادتها. لكنّها لم تبقِ على شكلها الكلاسيكي، بل جعلت منها قطعة فنيّة نقّالة من الداخل والخارج، حين جعلتها مفعَمة بالرسوم والألوان الجميلة من الخارج، وتصدح بالأغاني من الداخل، ممّا جذب الناس إليها.
يبدأ يوم فيرونيكا من الساعة الثامنة صباحاً. تقود حافلتها، وتشتري بضاعتها يومياً من السوق، وتجول بها في مناطق بيروت حتى الساعة الثالثة. تنادي على بضاعتها، وتزيّنها بميزان إلكترونيّ وتحسب المجموع بآلة حاسبة.
يرافقها أحياناً أصحابها أو أفراد من عائلتها، أو حتى أشخاص غرباء يودّون عيش التجربة لمدّة يوم واحد، فيساعدونها بعمليات المبيع والشراء ووزن البضائع وتوضيبها للزبائن، بل هي ترحّب بكل مَن يرغب بتجربة بيع الخضار معها ومرافقتها خلال يومها.
التجربة مسلّية، وليست عملية واقتصادية فقط. ففيرونيكا - إلى جانب أنها أرادت فكرة مجنونة تجذب الناس إليها - أرادتها تجربة بين الناس، لتتفاعل بها معهم، فتجذبهم أكثر للشراء، وتعوّدهم أكثر عليها.
بدأت فيرونيكا تجول في بيروت منذ نحو أربعة أسابيع، فتفاعل الناس معها بشكل كبير، ورحّبوا بها، وشجّعوا هذه الخطوة، "جميعهم يضحكون لدى رؤية حافلتي في الشارع، وهذا بحدّ ذاته أمر يسعدني، ويشكّل حافزاً لديّ لأكمل ما أقوم به"، تقول فيرونيكا.
ولا يقف الأمر عند الترحيب، فالناس يقدّمون النصائح لفيرونيكا، لاسيما سيّدات المنازل المتخصّصات في الطبخ وشراء الخضار والفاكهة.
"وجدت نفسي في هذا العمل. اليوم يمرّ ولا أشعر به وسط هذا الكمّ الكبير من الأجواء الإيجابية والضحك والموسيقى والناس"، تروي الشابة. وحالياً، بيع الخضار والفاكهة هو مصدر رزقها.
لـ"حزّك مزّك" زمّور يشتهر يوماً بعد يوم، فهو "زمّور خطر" تنذر به فيرونيكا زبائنها في الأحياء والشوارع. وترافقه أغاني فيروز وصباح، خصوصاً في فترة الصباح، حين تُضفي هذه الموسيقى جوَّاً من الألفة بين الزبائن وفيرونيكا، وصل إلى حدّ نزول الزبائن بقهوتهم لاحتسائها مع فيرونيكا.
لدى مناداتها زبائنها، تحدّثهم الشابة بلسان التي تعرفهم منذ زمن، وتنبش يوميّاتهم: "انزلي مثل ما إنت، انزلي نتعرّف عليكي. بلا ما تشتري، شو طابخة اليوم؟".