مُغامرات الجيل الجديد. نظرة خاطفة إلى خصلة الجنون المُتدلية فوق جبين شاب شغوف يُريد أن يرى الوجوه التي تُزخرف يوميّاته، سعيدة. صباحيّة بيروتيّة. زيارة قصيرة ودردشة طويلة. فنجان قهوة وغوص في التفاصيل الحياتيّة التي لم تكن يوماً عاديّة. ومع ذلك، هي في الواقع، عاديّة.
وواعدة كوعاء من الطلاء.
نلتقي في مار مخايل التي تعيش لحظات راسخة من التألّق بعد ذاك الزلزال الذي نكتبه قصائد وحكايات ومسرحيات تُحاكي روحنا المفطورة على الخوف.
المفطورة على الحُبّ.
نسير بهدوء ونُثرثر كالأصدقاء القُدامى. وسُرعان ما نصل إلى مُحترف قائم في أحد الزواريب المُتفرّعة من المباني القديمة. وبعد خطوات طويلة، نصل إلى منزل قديم مُسيّج ببوابة كبيرة، ومُحاط بحديقة لا علاقة لها بالمدينة التائهة، بل هي أشبه بفُسحة حريّة قرويّة.
بإمكانك أيّتها الأيّام أن تُصلحي سقفي، أو تضعي ختمك على تلك السجّادة.
ولم لا تُحوّلين السقيفة والبلاط المُزخرف إلى قصّة حُبّ؟
ما دمتُ قادرة على العثور على جواهر مخفيّة في المدينة المذبوحة، "بيتي في القلعة"!
الفنان الشاب، جيمي الحمصي (1980)، يوظّف شغفه ليُسعد الآخرين. يحتاج إلى الفرح ليحيا. والمُحترف الذي سمح له بأن يقوم ببعض التجارب وأن يُحوّل عالمه الصغير المُتنقّل، حقل اختبار، أقرب إلى جنّة بعيدة عن الناس، وإن كانت في الواقع في "عزّ" المدينة الصاخبة حتى في سكونها.
منزل بيروتي قديم. جُنينة وبعض قطط. أو ربما قطة واحدة لا تتعلّق كثيراً بالسكّان الذين يتخذون المنزل ملاذهم المؤقت. تعيش معهم بعض لحظات من الأمان العابر، و"بعدان" تودّعهم لتستقبل غيرهم.
قطة "مصلحجيّة".
أو ربّما، ذكيّة. واقعيّة. لم يتمكّن منها زلزال القرن. وجيمي الحمصي يرسم الفرح والألوان الصاخبة، ويُدرّس الفن كمادّة محوريّة تُسعف الروح الجريحة على التعافي، لعلّ فيها ما يُفيدها.
العلاج بواسطة الفنّ؟ "هيك بيقولوا".
أو ربّما العلاج من أجل الفنّ!
وقد أطلق مشروعه الشخصي بعنوان "Projectdotdotdot"، الذي من خلاله يسعى إلى زرع الفرح والسعادة في الوجوه الغائرة في الحُزن. وفي هذا المشروع، يلتقي بالناس، الغُرباء الذي يُصبحون أصدقاء، أو الأصدقاء الذين يختبئون من غُراب النسيان، ويسألهم عن الذي يُسعدهم.
هذه تعترف له بأنّ سعادتها تكمن في النظر إلى وجه والدتها. وذاك يهمس له "بيناتنا"، أنّ سعادته بسيطة وتستريح على لقاء الأشخاص المثيرين للاهتمام، "يعني منّن بايخين".
وجيمي يلتقط لهم صورة، ويطلب منهم أن يخفوا فمهم بملصق رسم عليه 3 نقاط، ويُسقط بعدها الخبريّة القصيرة على الحساب التابع للمشروع في "إنستغرام".
مشروع النقاط الثلاث.
ولكن، في الدرجة الأولى، جيمي الحمصي رسّام تستهويه الألوان الصاخبة ويُلهمه غوغين وفان غوغ ودافينتشي وميكالأنجيلو. المُحترف الذي كان يجلس فيه لساعات مُتتالية خلف هذه الكانفا أو تلك، اضطرّ إلى أن "يهجره"، بعدما وجد أن المكوث في البلد "ع فرد قعدة"، وفي هذه المرحلة في التحديد، لا ينفع. لا بد من التنقل بين البلدان سعياً خلف لقمة العيش. ولكنّه سيذكر دائماً هذه الجلسات الطويلة، وضحكات الزوّار، وكأس النبيذ، أو الاستراحة القصيرة في الحديقة مع سيجارة يروي لها قصّته مع الأيام، بين كانفا وأخرى، وبين "ضربة من هذه الفرشاة" وترنّح من ذاك اللون.
والقطة، "لا نعتل" همّها كثيراً. عوّدتها الحياة أن تعتني بنفسها.
"بتعرف تدبّر حالها".
وبعد أن هجر الرسم لسنوات لا يُستهان بها لأنّه قيل له إن الفن "ما بيطعمي خبز"، عاد إليه كالعاشق المُتيّم.
هو اليوم لا يستطيع أن يعيش من دون الخلق.
وفكرة مشروع projectdotdotdot كانت، بدايةً، مجموعة اسكتشات عن الحياة وتلك التفاصيل التي تحدث معنا في الطريق وتُبعثر أوراقنا! أو تلك القصص التي يُصادفها هذا الشاب الذي يعشق السفر ويعيشه قصّة حُبّ متهوّرة (رزقالله!) خلال تنقله من بلد إلى آخر. وكان هدفه أن يتحدّث من خلال الرسم عن كلّ ما يُصادفنا ليرى كيف يُمكننا أن نُحسّن، ونُطوّر. وكان السطر الأول من هذه القصّة في معرض افتراضي. واليوم، وسّع نطاق هذا المشروع – الحلم، وبات يشمل الآخرين. فهو، كما ذكرنا سابقاً، يعيش ليرى الفرح على الوجوه المُحيطة به. فإذا به يبحث عن هدف الآخرين. سعادتهم. يستكشف ما يُحرّكهم. يأخذ ويعطي مع طموحهم الأسمى. لا بدّ من أن يجدوا شغفهم، تماماً مثله. والحياة بلا شغف، أشبه بيوميّات خالية من الحُبّ، أو خالية من القصص (شو هالقصاص!). فجيمي يبحث في كلّ مشاريعه الفنيّة عن الإنسان. بالكاد يفكّر في أيّ شيء آخر.
أمّا القطة في المحترف الذي لم يهجره طوعاً، فمن الواضح أنّها لا تهتمّ كثيراً للإنسان. تعتبره وسيلة لتحيا.
وإن هجرها في لحظة "تخلٍّ" عابرة، تتثاءب وتُردّد لنفسها بيت الشعر التاريخي:
"حدَثٌ لعمرك رائعٌ أن تُهجري!".