التبسيط.
مفهوم قديم ينتشر مجدّداً على المستوى العالمي، هو الـminimalism، أي بمعنى آخر، التبسيط. ففلسفته قديمة منذ زمن طويل، لكن التدوين في عصرنا، أثار اهتماماً متزايداً بتطبيق مبدأ "less is more"، أو "الأقل هو الأكثر" كفلسفة لأسلوب الحياة. وطُبّق المفهوم ولا يزال، على نمط الحياة في الفن والأزياء والهندسة المعمارية والأدب والموسيقى وديكور المنزل.
فبعدما كان التبسيط تيّاراً يقوم على إبراز جمال الأشياء في بساطتها وخصوصاً في الفنون، عاد ليظهر في عصرنا الحديث، لارتباطه بالسعادة والصحّة النفسية ورفاه الأفراد، وجميعها اتجاهات باتت حاجة يبحثون عنها، ولا سيما مع الوعي المتزايد تجاهها.
مع بداية القرن الـ19، انتشرت وجهة نظر اكتساب البصيرة والتنوير من خلال العزلة والبساطة. ومع بداية القرن الـ20، بات الأسلوب الحديث يحقق التوازن بين الجمال والمنفعة في تصميم المنتج. بعد بضع سنوات، اكتسبت كلمة التبسيط بحد ذاتها شعبية بين مجموعات معينة من الفنانين الشباب في الستينيات، بمقاومتهم التقاليد الخانقة للفنون الجميلة.
وبدأ استخدام التبسيط كمصطلح عام في الكتابة والرسم والهندسة المعمارية وغيرها من المجالات الجمالية والتصميمية والإبداعية. وفي أواخر القرن الـ20، شهدت المرحلة التالية من تاريخ التبسيط زيادة مطّردة في الفن البسيط والحركات الحيّة البسيطة، وانتشر هذا المفهوم حتى في قطاع الطعام والموضة المستدامة والسفر. ومنذ بداية القرن الـ21 حتى اليوم حوّل مروّجو "التبسيط" هذا المفهوم إلى ظاهرة، وبدأ الناس بكتابة نصوص لتطبيق التبسيط على مجالات مختلفة من الحياة.
ما علاقة التبسيط بالسعادة والراحة النفسية؟
بحسب علم النفس، هناك فوائد نفسية للتبسيط. وفي دراسة بعنوان " Minimalism, voluntary simplicity, and well-being: A systematic review of the empirical literature"، تورد أنّه "كبديل لنمط الحياة العالي الاستهلاك الذي ينتشر غالباً في الثقافات الغربية، فإن التبسيط يتضمّن أسلوب حياة يركّز على تقليل الاستهلاك والإسراف في حياة الفرد حتى يتمكن من التركيز على تحديد أولويات قيمه". وقد وجدت الدراسة أنّ الغالبية العظمى من الدراسات أثبتت وجود علاقة إيجابية بين التبسيط والرفاهية. وقد تشجّع البساطة الأشخاص على تقليل الاستهلاك، والتركيز على الاحتياجات النفسية، مثل الاستقلالية والكفاءة والارتباط، التي ثبت أنها تعزز النموّ النفسي. وقد يكون للبساطة تأثير أكبر على ذوي الدخل المنخفض والأكبر سناً، عن غيرهم، فهي مرتبطة بتعزيز الرضى. فالدراسة تثبت أنّنا لا نحتاج إلى المزيد من المال والممتلكات المادية، لنكون سعداء، بل قد يكون العيش ببساطة أمراً يستحق التجربة.
التبسيط يعزّز من صحّتك النفسية!
التبسيط نمط حياة يرتكز على التخلص من الكماليات، بهدف تبسيط العيش والتركيز على القيمة، من إيجابياته:
- التركيز على البساطة، وتحديد الأولويات، ما يؤدّي إلى التقليل من التوتر، والتقليل من قيمة الالتزامات والممتلكات والتركيز على كل ما يهم الفرد على المستوى الشخصي.
- زيادة الوضوح الذهني لأنّ الفرد يفكر أكثر بأولوياته لا بما يفرضه المجتمع عليه. هنا، يحظى الفرد بوقت إضافي لإمضاء أوقات أكثر مع العائلة، أو الأشخاص المقربين، لتعلّم أمور جديدة واستغلال الوقت للتجارب من خلال تقدير العلاقات الإنسانية، وذلك مصدر مهم للسعادة.
- تحسين المزاج عبر اختيار أمور لا تخضع للمقارنة الاجتماعية.
- الشعور بالرضى الذاتي والامتنان.
- وضوح العقل.
- تقليل التوتر.
لكن أيضاً من سلبيات التبسيط: الفردية المفرطة التي قد تؤدّي إلى إهمال التفاعلات الاجتماعية، وقد يشعر الشخص بأنّه أكثر تميّزاً أو تفرّداً، ويبعد عن الاجتماعيات ويهمل أدنى مبادئ المجتمع.
مع منصّات التواصل بات مبدأ "المزيد" شائعاً ويتناقض مع التبسيط. ومن نتائج "المزيد"، ينتج اضطراب ذهني لدى الفرد، يجعله يرغب في تجميع الأشياء، كذلك هناك اضطراب يظهر في المبالغة بالاستهلاك. لذا، في ظلّ هذا العالم، يجب تعزيز مقاومة هذا "المزيد"، فرغم كل التغييرات، يمكن للفرد التأقلم وتخفيف التوتر، وزيادة احترامه للمجتمع، وإعطاء أهمية أكبر لرفاهه العاطفي ومرونته المالية.
كيف تطبّق التبسيط بتوازن؟
- تفضيل النوعية على الكمية.
- الوعي تجاه أهمية الوقت وعدم هدره على منصّات التواصل.
- تمضية وقت ذي جودة بين الأهل وأطفالهم وبين الأزواج.
- تعلّم قول "لا".
- سعي الأهل لتوفير الوقت القيّم.
هناك قول فرنسي مفاده، اهربوا من فكر حياة ممتلئة. فهذه الحياة رغم امتلائها، تفتقر إلى جوانب أخرى. لذلك، التوعية تجاه قيمة الأشياء تساعد الفرد، ولا سيما في عمر صغير، على توزيع الأوقات بالشكل المناسب لمعرفة قيمتها.
إليك كيف تبدأ حياة بسيطة!
أسلوب الحياة البسيط هو عملية تحديد ما هو ضروري في حياتك والتحلي بالشجاعة للتخلص من الباقي. عندما تتخلص من الأشياء غير الضرورية، فإنك تحرر وقتك وقدرتك على التركيز على الأشياء المهمة حقاً في حياتك.
أسهل طريقة لبدء العيش بأسلوب حياة بسيط هي تقييم كل من الأشخاص والأشياء من حولك، واسأل نفسك ثلاثة أسئلة حينها: "هل أستخدمه؟ هل أحبّه؟ وهل أحتاج إليه؟". إن كان الشيء يفتقر إلى الهدف أو العاطفة، فمن المحتمَل أيضاً أنه يفتقر إلى مكان في حياتك. فالسعادة هي امتلاك عدد صغير من الأشياء.