مفرداتها البصريّة مؤلّفة من الألوان والأشكال الهندسيّة بركيزتها الأساسيّة. وفي السلسلة الأخيرة من اللوحات التي تعرضها غاليري مارك هاشم العريقة في العاصمة الباريسيّة، تُجسّد الفنانة العراقيّة – الأميركيّة، ميسلون فرج، مُختلف الزوايا الحميميّة في منزلها التي تمكّنت من أن تُعطيها حقّها خلال الحجر الصحّي الذي عاشته الكرة الأرضيّة أكثر من مرة بين عامي 2020 و2022. كانت مسألة بديهيّة بالنسبة لها أن تُحوّل الأعمال الأنيقة مذكّراتٍ مرئيّة تشهد على هذه اللحظات التاريخيّة التي نأمل ألا تتكرّر.
لحظات تواجهنا فيها مع فيروس كان واثقاً من سطوته وكأنه يعرف سلفاً من أننا سنرضخ له في النهاية.
ولكنه لم يأخذ في الاعتبار أن البعض منّا سيستعين بالفنّ ليخوض معركته معه، تماماً كما فعلت ميسلون فرج (1955) التي ترعرعت بين الولايات المتحدة وبغداد ولندن، وكانت لها إقامات مُتقطّعة في العاصمة باريس، وإذ بمعرض HOME lockdown 2020-2022 يروي قصة حميميّة من وجهة نظر شخصيّة. وها هي غاليري مارك هاشم التي لها حضورها أيضاً في العاصمة البيروتيّة ومدينة الأحلام المُستحيلة، نيويورك، تُمثّل ميسلون فرج وتُعيطها فرصة تقديم أول معرض مُنفرد لها في باريس. وقد تحوّلت فُسحة عاشق الفن مارك هاشم بنوافذها الواسعة، التي تُشرف على الساحة الجميلة، خشبة المسرح المؤقت الذي يحضن الأعمال الحميميّة التي وُلدت ذات لحظات أقلّ ما يُقال فيها، "تنذكر وما تنعاد".
ماذا جرى لنا خلال الأسابيع الطويلة التي تواجهنا خلالها مع أنفسنا ومُحيطنا؟ وهل يُمكن أن تضطلع اللوحات بدور العيون المُتسّعة التي تُهدهد خطواتنا الثقيلة وتُلطّف من صدمة المُدن المُبهرة والمُضيئة التي عبرنا معها الدهليز الطويل؟
ميسلون فرج تؤكّد بأن اللون، في كلّ الأحوال، يبقى اللغة التي تستعين بها لتُعبّر عن الحُب. والحُب يُمكن أن يأخذ أكثر من شكل. وفي غاليري مارك هاشم القائمة في "بلاس دي فوج" في حيّ ماريه، يأخذ الحبّ، حتى 22 من الجاري، شكل الأشياء العاديّة التي نُسلّم جدلاً بأنها تُرافقنا في يوميّاتنا.
ولكن خلال الحجر الصحّي الذي اصطدمنا بحضوره أكثر من مرة في العامين الأخيرين، تعاملت فرج مع منزلها وكأنه مادة أساسيّة في بحثها الفنيّ، ورفيق مُخلص في رحلتها مع الأيام. تؤكد الفنانة الأنيقة التي تقطن لندن، "في أحلك ساعاتنا، أصبحت الحاجة إلى إعادة التأكيد أن البشريّة سوف تسود أمراً مُلحّاً". ومن هذا المُنطلق، أصبح التعلّق بمُحيطنا، والتعامل معه باحترام، من واجباتنا الأساسيّة. وفرج تُريد أن تُغيّر العالم بواسطة الألوان، "لون فآخر".
وفي غاليري مارك هاشم في "بلاس دي فوج" الذائعة الصّيت، اللوحات تدعونا إلى حوار حميميّ وشخصيّ. وأعمال ميسلون فرج تأثرت بشكل مُباشر بأسفارها بين المُدن التي تعيش كلّ واحدة منها حروبها الخاصّة. ومن هذا المُنطلق، هي تتأمّل في التقاطع الذي يجمع المكان والهويّة. وربما تستكشف الديناميكيّة بين الاهتمامات المُجتمعيّة الشاملة والأخرى الشخصيّة لأبعد حدود. هي رقصة إذاً بين الفُسحة الخارجيّة والملاذ الداخلي شبه الآمن.
ونحن نسلك مسلكاً طيّباً عندما نختار الفن أرجوحة أحلامنا.
اللقاء بين ميسلون فرج ومارك هاشم تمّ في العام 2015. وفي اللحظة عينها وُلدت الشرارة الأولى التي مهّدت الطريق لهذا اللقاء الفنيّ "المصيريّ". أدهشتها قوّته العقليّة وقدرته على التحمّل وجاذبيته وطاقته الرائعة؛ وهو وضع فُسحته الذائعة الصّيت في "بلاس دي فوج" الباريسيّة العريقة بتصرّف أعمالها الحميميّة التي تروي بعض مقاطع زاهية من كلّ الذي حصل منّا عندما دفعنا ثمن غرورنا فيروساً قاتلاً، دمّر البعض منّا بوساطة العزلة، وجعل البعض الآخر منبعاً للخلق. وفي الحالتين، بدّل حياتنا إلى الأبد.