صحيح أنّ الأفكار الصغيرة تُحدث أحياناً فرقاً في حياتنا، فالأمور قد تكون أمام أعيننا ولا نراها. فقد حوّلت وفاء حديقة منزلها في عربصاليم - الجنوب، إلى جلسة لمحبّي الطبيعة وأصبحت مقصداً من مختلف الأقضية في لبنان. ونجاح مشروع وفاء، دليل وافٍ على عودة اللبنانيين إلى البساطة والطبيعة التي غابوا عنها لفترة طويلة قبل انتشار كورونا.
أطلقت وفاء زيعور، 27 عاماً، فكرتها مع بداية الأزمة عندما كان الدولار بـ7000 آلاف ليرة، وحدّدت رسم دخول الحديقة بدولار واحد أي 7000 ليرة آنذاك.
جاءت الفكرة من حب وفاء للتخييم، و"خطرت لي لتجهيز الأرض التي كنت أسهر فيها مع أصدقائي لتناسب فكرتي"، تروي الشابة. لم تكن هذه المساحة التابعة للمنزل مستصلَحة ولا مقسَّمة بشكل يناسب زوّاراً كثيرين. لكن وفاء كانت قد نمّقت جزءاً من المكان بما يناسب جلساتها مع صديقتها.
في جلسة من هذه الجلسات، صوّرت وفاء صورة للسهرة وللحديقة ونشرتها على صفحتها على الفايسبوك كاتبةً من باب الفكاهة: "مشروعي الصغير... نستقبلكم كافة أيام الأسبوع". ولم تكد تنشر هذه الصور والكلمات حتى انهالت عليها التعليقات والتواصل معها عبر الماسنجر، و لاقت الفكرة رواجاً واسعاً، إذ "أحسّ الناس أنّ المكان متنفَّس في الطبيعة، خصوصاً مع بداية انتشار كورونا". وقد زيّنت وفاء المكان بنفسها وهيّأت جواً مريحاً وبسيطاً للجلسات، بعيداً عن التكلّف.
"لم أنم تلك الليلة من شدّة حماستي لإقامة هذا المشروع بعد أن تلقّيت هذا الكمّ الهائل من الدعم"، تسرد وفاء.
شجّعت نفسها وسمّت حديقة منزل والديها التي تقع عند باب المنزل "بالفيّ". استصلحت الأرض وأضافت أدراجاً للنزول إليها، وزادت عدداً من الأشجار لإضافة "فيء" إلى المكان وتجميله.
وبدأ الناس يزورون المكان، ورويداً رويداً صارت وفاء تزيد ممّا تقدّمه للزبائن، إذ بدأت بالنرجيلة والصاج، وفي العام التالي خصّصت كوخاً من الخشب حيث وضعت "إكسبرس" القهوة وعرضت بعض "النقرشات".
في بادئ الأمر، تردّد أهل وفاء في المضيّ بالمشروع، لكن لاحقاً أصبح العمل جماعياً بين أفراد العائلة في جوّ من التسلية والبساطة. وكان الدافع الأساسي الذي حمّس وفاء على تأكّدها من نجاح مشروعها، أنّها بَنَت هذا المكان بحبّ وبيديها.
وكانت وفاء قد درست العلوم السياسية، وعملت في المجال التربوي والقانوني والاجتماعي، "لكن وجدت نفسي في هذا المشروع". وأصبحت تقيم في المكان أيضاً المناسبات الصغيرة من عيد ميلاد أو عشاء لثنائي، و"يمكن فعلاً، من فكرة بسيطة، إحداث فرق في حياتنا"، تؤكّد الشابة، مضيفةً أنّها ألهمت أشخاصاً ليقوموا بما قامت به، ويتواصلون معها ليخبروها بمشاريعهم.
لا شك في أنّ نجاح هذا المشروع الذي يدخل عامه الثالث، يعود إلى حاجة الناس إلى الطبيعة في ظل الأوضاع المادية والصحية الصعبة، "فهناك علاقة تناغمية بين الإنسان والتراب والأرض"، وفق وفاء. وتسمع أصداء الزوار الذين يُجمعون على أنّ حديقتها تبعث بالطاقة الإيجابية وتريح النفسية.
وعلى الرغم من أنّ مشروع "بالفيّ" يقع في بلدة من البلدات الجنوبية البعيدة نسبياً، خصوصاً مع ارتفاع كلفة البنزين، لكنّه أصبح مقصوداً أكثر ممَّن هم خارج المنطقة والقضاء، بحيث يتواصل معها أشخاص من الشمال و طرابلس وصيدا وبيروت لزيارة "بالفيّ".