من منّا لا يطمح أن يكون سعيداً؟ وبينما يختلف تعريف السّعادة بين شخصٍ وآخر، ومع صعوبات الحياة وكلّ التحديّات التي تواجهها، تشعر بأنّ السّعادة أمرٌ بعيد المنال، ومن الطّبيعي أن تنسى الاستمتاع بالأمور الصغيرة في الحياة.
من المعروف أنّ للسّعادة طابعاً غير ملموس. ولكن ماذا لو قلت لكم إنّ أحدهم اكتشف معادلة حسابيّة للسّعادة؟
انشغل Mo Gawdat، المهندس السّابق في غوغل إكس، لأكثر من عشر سنوات بالبحث عن معادلة السّعادة، وترجم خلاصة بحثه في كتابٍ أصدره في العام 2016 "Solve for happy: engineer your path to joy".
يُركِّز في هذا الكتاب أوّلاً على العلاقة بين السّعي الذّاتي للسّعادة والخطوات المنطقيّة الّتي يتّبعها المهندس في يومياته. حسب Gawdat، فإنّ معادلة السّعادة تكمن في تدريب الفكر لتصبح السّعادة أمراً بديهيّاً، ويشرح في كتابه كيف يمكن تطبيق هذه المعادلة.
التّمرين الأوّل:
ينصح Gawdat أوّلاً بأن تُدوّن كُلّ الأمور الّتي تجعلُك سعيداً على هذا الشّكل: أشعر بالسّعادة عندما... أكمل الجملة ولا تتردّد في أن تكون صريحاً قدر المستطاع مع نفسك حتى ولو بدا الأمر سخيفاً لك؛ يُمكن أن يكون الموضوع بسيطاً مثلاً: أشعر بالسّعادة عندما أشاهد غروب الشّمس، أو عندما آكل وجبتي المفضّلة.
قم بتعداد كلّ ما تفكّر فيه، وستجد أنّك تُعيد اختبار السّعادة بمجرّد تدوين تلك الأمور. ومن المفروض أنّك عند الانتهاء ستشعر بنفسك أكثر حيويّةً ونشاطاً. كرّر هذه العمليّة على الأقلّ مرّة أسبوعيّاً مع إضافة أمور جديدة، وهذا ما يُحفّز شعورك بالامتنان، فترى فعلياً أنّ أبسط لحظات الحياة هي التي تجعلك سعيداً.
وجد Gawdat أنّ القاسم المشترك عند الجميع هو أنّ السّعادة تكمن في الحياة الّتي تسير حسب ما تتمنّى. ستكون سعيداً عندما تكون حياتك حسب ما تريد، والعكس صحيح؛ فالتّعاسة هي عندما تكون الحقيقة مختلفة عن آمالك وتطلّعاتك.
وهنا المعادلة: فإذا كانت الأحداث الّتي تمرّ بها مساوية أو أكبر من تطلّعاتك فأنت شخص سعيد أو على الأقلّ غير تعيس.
قاعدة 6/7/5 لتعلّم السعادة
يشرح Gawdat أنّك للوصول لحالة السّرور والهناء يجب أن تتعلّم كيف تكون سعيداً عبر اتّباع الأرقام الآتية:" 6-7-5" التي تُمثّل:
الأوهام الستّة الكبيرة تتركك في حالة ضياع وعذاب. وتشمل: الأفكار، الـ"أنا"؛ المعرفة، الوقت، رغبة التحكّم والخوف.
النقاط السبع العمياء الّتي تؤثّر سلباً في حكمك على الحقيقة هي النظرة إلى الأمور من وراء حجاب، التكهّنات، التنبُّؤات، الذّكريات، تصنيف الأشياء، المشاعر والمبالغة.
وينصح Gawdat بالسّيطرة على الأوهام والنّقاط العمياء المذكورة أعلاه.
أما الحقائق الخمس المطلقة، الّتي تمكّنك من الشّعور بالسّرور الدائم، والّتي يجب التمسّك بها فهي: الآنيّة، التّغيير، الحبّ، الموت والتّصميم.
يُنَوِّه Gawdat بأنّ المشاعر لا تقتصر على سعادة وتعاسة، بل توجد حالات متعدّدة يختبرها الإنسان:
حالة الضياع: إذا تركت أفكارك تتأثّر بالأوهام.
حالة العذاب: إذا كانت أفكارك سلبيّة.
حالة الهروب: عندما تنتقّل من فكرة إلى أخرى.
حالة الهناء: إذا كانت أفكارك إيجابيّة وتقبلت مجريات حياتك.
حالة السّعادة: إذا تركت نفسك لمسار الحياة وترفّعت عن ضوضاء أفكارك.
لقد قضى Gawdat أكثر من عشر سنوات من حياته في محاولة إعطاء قيمة رقميّة للسّعادة. فبالرّغم من نجاحه المهنيّ ومركزه المرموق في إدارة غوغل وعائلته الرّائعة، فإنّه كان يُعاني من حالة إحباط مزمن. وبعد أن لجأ إلى قراءة العديد من الكتب حول السّعادة، أراد أن يقوم هو بنفسه بالبحث كمهندس عن نظرة أخرى للسّعادة، ونجح في غضون خمس سنوات، عمد من بعدها إلى شرح هذه المعادلة لأصدقائه وعائلته.
وجاء أكبر اختبار له عندما فقد ابنه، حين قيّم نجاح معادلته، لأنه بالرّغم من وجعه الكبير لم يصبح تعيساً، بل حوّل ألمه للمساعدة في إسعاد الآخرين بتجربته الناحجة. وحصل الكتاب الذي أصدره على جوائز عالميّة، والفيديوهات الّتي نشرها على الملايين من المشاهدات.