يُعدّ "المنسف"، الطبق الوطني الأردني الذي ترتبط نشأته بحرب قديمة وتطور تاريخي، وصمد على مدى آلاف السنين في الأردن، رمزاً للأصالة وكرم الضيافة.
ويُطبخ "المنسف" الذي يوصف بأنه "سيد المائدة الأردنية" بلحم الأغنام البلدية، وكرات "الجميد" المحضرة من حليب الأغنام البلدية، والسمن البلدي، والأرزّ، واللوز والصنوبر لتزيينه.
ويقول أشرف مبيضين (47 عاما) الذي يملك مع صديقه تامر المجالي (42 عاما) مطعم "مناسف مؤاب" في عمان إن "المنسف طبق مشهور في أكثر من دولة لكن أساسه وأصله من الأردن وهو الألذّ ونُسب إلى مملكة مؤاب قديما".
ويضيف بينما يفرد الأرزّ ويرتّب قطع اللحم في طبق كبير أن المطعم "يقدّم الأكلات الشعبية الأردنية ومنها المنسف والفتيت (الخبز المفتت واللبن) والعيش (القمح المجروش المطبوخ) واللزاقيات (حلويات)، لكن سيد المائدة الاردنية هو المنسف".
ويؤكد شريكه المجالي الذي كان يُعدّ طبق "الرشوف"، وهو عبارة عن طبخ جريش القمح والعدس والحمص المسلوق بلبن الجميد مع إضافة البصل والسمن البلدي ليتم تناوله كحساء، أن "المنسف هو سيد المائدة الأردنية، واذا اردت ان تكرم ضيفك لا يوجد ما هو أفضل من المنسف".
وأُدرِج المنسف في كانون الأول الفائت على لائحة التراث الثقافي غير المادي (الحيّ) لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وجميع مكونات "المنسف" منتجة محليا، ويشتهر على سبيل المثال الجميد الكركي (نسبة إلى محافظة الكرك الواقعة على بعد 118 كيلومتراً إلى الجنوب من عمان) والسمن البلقاوي (نسبة إلى محافظة البلقاء التي تبعد نحو 30 كيلومتراً إلى شمال غرب عمان).
ويقول المؤرخ والكاتب جورج طريف لوكالة فرانس برس إن "المنسف كان بالأساس يصنع من ثريد لحم الضأن واللبن وخبز الشراك (خبز رقيق)".
ولاحقا أصبحت "المادة الرئيسية للمنسف البرغل (القمح المجروش)، ثم تطور بعد اكتشاف الأرز الذي استخدم في المنسف في فترة متأخرة من القرن التاسع عشر".
ويرتبط "المنسف" تاريخيا بالأردن من خلال حادثة تروى عن الملك ميشع، أحد ملوك مملكة "مؤاب" التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ودامت إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
وامتدت حدودها على الساحل الشرقي للبحر الميت، من شمال مدينة الكرك إلى الشوبك (نحو 205 كم جنوب عمان).
ويقول طريف: "كان مركز حكم الملك ميشع في الكرك، وكان يعلم جيداً أن اليهود لا يأكلون اللحم المطبوخ باللبن، وفقا لشريعتهم المستمدة من التوراة".
واضاف، "أراد أن يختبر ولاء شعبه المؤابي في الحرب ضد العبرانيين في المعركة الواقعة في القرن التاسع قبل الميلاد، فطلب من شعبه أن يطبخوا اللحم باللبن".
واستجاب شعبه لطلبه، وبهذا وفقا لطريف "نسف ما جاء في التوراة ومنذ تلك الفترة سميت هذه الأكلة بالمنسف".
ولذلك اختار مبيضين والمجالي تسمية مطعمهما "مناسف مؤاب"، نسبة إلى مملكة مؤاب.
من جهته، قال الباحث والأكاديمي حسن مبيضين (58 عاما) لوكالة فرانس برس إن "التطور في المواد المستخدمة جاء وفق التطور في النتاج الاقتصادي والزراعي وطبيعة الحياة الاقتصادية".
وأوضح أنه "قبل الانتقال من حالة الرعي كان إعداد هذه الوجبة يعتمد على اللبن الذي يستخرج من حليب الإغنام مع الخبز فقط".
وأشار الباحث الذي ارتدى الكوفية الحمراء وتناول المنسف في مطعم "مناسف مؤاب" إلى أن القمح المجروش دخل الى المنسف بسبب الحاجة لإطعام أكبر عدد ممكن من الأشخاص وإشباعهم، ثم حل الأرز بديلاً عنه.
وهناك أكلات أردنية قد تكون اندثرت مثل "شوربة الجعدة" المحضرة من نبات الجعدة البري والعدس واللبن، او"الخميعة" وهو طبق حلويات يعد من الخبز المفتت والحليب والسكر، يشبه رقائق الفطور المعروفة اليوم.
ويقول الباحث مبيضين إن "المنسف وجبة ذات معايير خاصة وطقوس خاصة، وأيضا لأشخاص تربطهم علاقات خاصة بمعنى أنها تُقدَّم وفق بروتوكول معين للضيافة وطريقة التقديم والترتيب".