رغم المحاولات الكثيرة لمعرفة أصل الكلام، إلّا أنّ الحقيقة هي أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين متى تم "اخترع" هذا السلوك. لكن ثمّة تخمينات حول الوقت الذي بدأ الناس يتحدثون مع بعضهم البعض باستخدام اللغة، وكيف يعتقد العلم أنها بدأت.
وفي هذا السياق، نشرت جامعة "كاليفورنيا" دراسة أشارت فيها إلى أن التحدّث نشاط فريد من نوعه خاص بالإنسان العاقل لجهة الجنس البشري. يتواصل الناس مع بعضهم بعضاً إما بواسطة اللغة المنطوقة، أو بلغات الإشارة المختلفة بالنسبة لمجتمعات الصم.
الطيور تغرّد، الكلاب تنبح، والقطط تموء، لكن هذه الأشكال من التواصل بسيطة مقارنة بلغة البشر. قد يصدر حيوان ما 10 أصوات مختلفة، على سبيل المثال، لكن الإنسان البالغ يعرف أكثر من 20,000 كلمة. بالإضافة إلى ذلك، الإنسان هو الوحيد الذي يعبّر عن الأفكار بجمل كاملة، ولا يعتقد الباحثون أن اللغة قد تم اختراعها، بدلاً من ذلك يعتقدون أنها تطوّرت خلال تطور البشر.
ولفتت الدراسة إلى أنّ لمعرفة متى بدأ الحديث، يجب العودة إلى الوراء عندما تطوّر البشر للمرة الأولى. يعتقد العلماء أن البشر كما نعرفهم اليوم بدأوا بالتطوّر منذ نحو 300,000 عام. والمدهش في الأمر، وفق الدراسة، أن طوال ذلك الوقت تقريباً، كان كل ما يفعله الناس باللغة هو الحديث، ولم يكن ثمّة أي قراءة أو كتابة قبل ما يقرب من 5,000 عام، وهو تاريخ حديث مقارنة بمدة وجود الإنسان الحديث. طوال الوقت الذي كان فيه البشر موجودين على كوكب الأرض في ذلك الوقت، لم يقرأ أحد كتاباً أو يكتب اسمه.
بدأ الناس في تدوين الأشياء حتى يتمكنّوا من تتبع الحسابات. على سبيل المثال، إذا كان فلاحٌ مديناً لفلّاح آخر بثلاثة أغنام، فسيقومون برسم صورة خروف وكتابة ثلاث علامات. في النهاية، تحوّلت هذه الصور الصغيرة إلى حروف هيروغليفية ثم إلى الحروف التي نستخدمها اليوم للكتابة.
من أين أتى الكلام؟
وذكرت الدراسة سؤالاً آخر قد يتساءل عنه الناس، وهو من أين يأتي الحديث. قبل أن يستخدم الناس اللغة، كيف كانوا يتواصلون مع بعضهم البعض؟ هل قاموا فقط بإصدار أصوات البعض كما تفعل الحيوانات؟ الحقيقة هي أننا لا جواب نهائي، لكن هناك نظريتين رئيسيتين.
النظرية الأولى تقول إن اللغة بدأت بإصدار الناس أصواتاً مختلفة، إذ غالباً ما كانوا يقلّدون الأشياء من حولهم، مثل أصوات الحيوانات وأصوات الطبيعة وأصوات الأدوات. في النهاية بدأوا في استخدام هذه الأصوات للتحدّث مع بعضهم البعض. قد يصدرون صوت هبوب الرياح للتحدث عن الطقس أو يقلدون صوت طائر ليخبروا صديقاً أن هناك طائراً في الجوار. ثم على مدى مئات الآلاف من السنين، تحوّلت هذه الأصوات إلى كلمات بدأ الناس يتعلمونها كجزء من لغتهم. في مرحلة ما، بدأ الناس في وضع الكلمات معاً لتكوين جمل.
النظرية الثانية، تقول إن الناس بدأوا بالإيماءات - الإشارة إلى الأشياء بأيديهم، وتقليد الأفعال باستخدام أجسادهم وصنع الوجوه. في النهاية تحوّلت هذه الإيماءات إلى لغة إشارة كاملة. تستمر هذه العملية اليوم في المناطق التي يعاني فيها الكثير من الصم. وإذا اجتمع الكثير من الصم الذين لا يعرفون لغة الإشارة معًا، فسوف يخترعون واحدة تلقائيًا في غضون بضع سنوات، وفق الدراسة.
وتقول هذه النظرية إنّ بعد تطوير لغة الإشارة، بدأ الناس في في إصدار الأصوات جنباً إلى جنب مع إيماءاتهم. في مرحلة ما، تحولوا إلى إصدار أصوات تتحوّل في الغالب إلى كلمات بدلاً من مجرد استخدام أجسادهم. تقول النظرية إن سبب تحولهم إلى إصدار الأصوات هو أن التحدث بصوت عالٍ يتيح لك التواصل مع شخص ما حتى عندما لا تستطيع رؤيته.