يتميّز الصحافيّ المخضرم جوزف غصن في الكتابة عن "ثورة النساء وغضبهنّ" في إيران. يغوض في معالجة واقع الرغبة في الحرية – بتاء التأنيت- في ايران اليوم، موضحاً للقارئ في مقدّمة موضوعه أنّ على مدى عشرين عامًا، رعى الفنّانون الإيرانيون الرغبة في الحرية في بلدهم.
حاول غصن معالجة واقع حركة التحرّر غير المسبوقة من خلال حوار في "لو فيغارو" ننقل بعض فصوله مع الباحثة من أصول إيرانية عالمة السيميولوجيا من جامعة سيرجي باريس Asal Bagheri المقيمة في فرنسا، والمتخصّصة في سينما بلدها.
الاحتجاج
كيف يمكننا أن ننظر إلى الصور التي تأتي إلينا من إيران؟ سؤال بديهي في بداية اللقاء، فيما الجواب الشافي للباقري أنّ "ما يثير الاهتمام في هذه الصور هو ملاحظة النسبة العالية جدًّا من الشابات في طليعة مشهد الاحتجاج."
وصفت المشهد أنّ "الرجال وراء النساء،" مشيرة الى أنّه "في معظم الأحيان، نرى امرأة وحدها، بدون حجاب."
برأيها،" الأمر يشبه الحرب: إمراة واحدة ضدّ الجميع. هذه ليست الحقيقة عن الحركة، بل هي قبل كلّ شيء دور امرأة في مواجهة القمع "، مشيرة الى أنّها "ليست بأيّ حال من الأحوال حركة ضدّ الحجاب في حدّ ذاته أو ضدّ أيّ دين، بل هي حركة ضدّ الحجاب السياسيّ، أداة لقمع النظام القائم."
بالنسبة إليها، "كلّ هذه الصور تظهر نضال النساء الإيرانيات، المتّحدات جدًّا في ما بينهنّ، نضال كتلة نسائية ضدّ القمع. وهكذا يتحوّل جسد المرأة الى جسد الجماعة، جسد متحرّك. نلاحظ في تحرّك النساء وفي تحرّرهنّ، يعارضن الاضطهاد الأبوي...".
وعمّا إذا كانت هذه الصور والحركة غير مسبوقة، اعتبرت أنّ "الحركة النسائية موجودة في إيران منذ فترة طويلة لأنّ اضطهاد أجسادهنّ يعود إلى تاريخ قديم، وقد انتقل النضال من الأم إلى الابنة"، مشيرة الى أنّه "شهدنا في عام 1930، اضطهاد الدولة للجسم وهو كان قائماً بالفعل من خلال والد الشاه الأخير الذي حظّر ارتداء الحجاب."
وقالت: "أخبرتنا جدّاتنا أنهنّ، من يوم إلى آخر، في المدن الصغيرة، لم يتجرّأن على الخروج، حتى للذهاب إلى الحمام العام، لأنهنّ شعرن بأنهنّ عاريات".
واعتبرت أنّ "ما كان إشكالياً هو بالفعل مسألة اختيار، أي قدرة المرء على التخلّص من جسده وملابسه أم لا."
لا للنظام الأبويّ
في العودة الى العام 1979، لفتت الى أنّه كانت هناك حركة نسائية في حينها عندما أعلن آية الله الخميني الحجاب إلزاميًّا مباشرة بعد ثورة شباط."
وقالت: "خرجت النساء على الفور إلى الشوارع لتحدّي هذا الإجراء، لأنهنّ لم يعتقدن أنّ الثورة ستجبرهنّ على اختيار ملابسهنّ. في السابق، كان هناك حديث عن ثورة من شأنها أن تؤدّي إلى الديموقراطية، الى المساواة بين الرجل والمرأة، وليس إلى نظام أبويّ."
المهمّ أنّ "النساء احتججن بشكل جماعيّ في الشوارع، لكنّهن كنّ بعد ذلك مجرّد نساء".
استكملت مشهد اليوم، مشيرة الى أنّ "في الحركة فتيات صغيرات تتراوح أعمارهنّ بين 17 و22 عاماً، وأنّ وراءهنّ أجيالاً أخرى، أمّهاتهنّ، جداتهنّ، عمّاتهنّ. ثم، هناك الرجال وآباؤهم وإخوانهم وأعمامهم... وأنّ مثل هذه الحركة، مع النساء كقائدات في الشوارع، ومع الرجال الذين يتبعون، غير مسبوقة على الإطلاق".
واعتبرت أنّه "في الأساس، لم يستطع الجيل السابق التعبير عن نفسه، لكنّه لا يزال ينقل مطالبه إلى الجيل الأصغر سنّاً، الذي جمع كلّ ما عانته الأجيال السابقة".
ردّة الفعل
انتقلت في حوارها الى دور الفن في ابتكار النساء الإيرانيات أعمالًا كردّ فعل على ما كنّ يعانين منه، معتبرة انّه في العام 1979، كان من الصعب خلقها، "لأننا كنّا في حرب أهلية"، مشيرة الى أنه "ولكن، شيئًا فشيئًا، يمكن القيام بالأشياء، بعد البحث عن الأشكال التي يجب اختراعها وخاصة كيفية إظهار النساء".
منذ البداية، وضعت النساء أنفسهنّ خلف الكاميرا، "اليوم، هناك أكثر من عشرين امرأة يصنعن أفلامًا خيالية، في حين أنّه قبل ثورة 1979، من بين آلاف الأعمال التي أنتجت في سبعين عامًا، لم يكن هناك سوى ثلاثة أفلام من إنتاج النساء".
وبعد الثورة، "في أوائل 1980، صنعت النساء أفلاماً"، واليوم هناك شابات جزء من موجة تسمّى السينما الاجتماعية، والتي تهتمّ بأمراض المجتمع. منذ اللحظة التي نتحدّث فيها عن الشرور، نحن مضطرّون للحديث عن النساء، لأنهنّ المضطهدات، وهكذا كانت هذه السينما مرآة للمجتمع".
وأكّدت أنّ "ما يخرج من إيران هو أولًا وقبل كلّ شيء سينما للرجال، لأنّ أفلام صانعي الأفلام الإيرانيين نادرة للغاية خارج البلاد."
واعتبرت أنه "وقبل كلّ شيء، في الغرب، في أوائل 1980، لم يكن أحد مهتمًّا بالسينما الإيرانية، كان يعتقد حتى أنّ الحرب الإيرانية العراقية ستقضي على النظام، وبالتالي لم يكن من المفيد الاهتمام بالإنتاج الإيراني،" مشيرة الى أنّه "عندما رأينا أنّ الصراع لن يقضي على النظام، فهمنا أيضًا أنّ هناك سينما إيرانية."
وذكرت أنه "ظهر هذا لأوّل مرّة في الغرب مع أفلام عباس كياروستامي، التي جذبت انتباه المهرجانات ورواد السينما،" لافتة الى "أفلام إيران التي لم تشاهد منذ أعوام ولم تبثها وسائل الإعلام المعتادة على إظهار التعصب، والنساء في الشادور والجنود الشباب المسلحين ببنادق كلاشنيكوف،" ومشيرة الى أنّ "هذا الأخير أي كياروستامي شهد على شيء آخر ألا وهو إيران مسالمة، بدون حرب، بدون عنف وذلك من خلال نوع شاعري بسيط، وصف موضوعات عالمية مثل الشجاعة أو الصداقة أو الحقّ في التخلّص من جسد المرء...".
rosette:[email protected]
Twitter:@rosettefadel