ينتج عن قطاع الماشية نحو 14,5 في المئة من انبعاثات الغازات المُسبّبة لمفعول الدفيئة المسؤولة عن ظاهرة الاحترار المناخي والاحتباس الحراري، في معدّلات تفوق تلك الصادرة عن قطاع النقل. ويتسبّب إنتاج لحوم وحليب الأبقار بأغلبية هذه الانبعاثات (41 في المئة و20 في المئة على التوالي)، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
تصدر الحيوانات المُجترّة انبعاثات بكمّيات كبيرة من غاز الميثان الذي تنفثه المواشي ويتّسم بقوة تفوق تلك العائدة لثاني أكسيد الكربون بـ20 ضعفاً. كما تُسجّل انبعاثات لأكسيد النيتروز، وهو نوع بارز آخر من غازات الدفيئة، من جرّاء الأسمدة والروث في الأراضي الزراعية.
تُشير "الفاو" إلى أنّ استخدام نوعية أفضل من الأعلاف يُمكن أن يخفض الانبعاثات الناتجة عن التخمّر المعوي والسماد العضويّ. والممارسات الأفضل في مجالي الصحة الحيوانية وتربية الحيوانات تُحسّن الإنتاجية وتخفض الانبعاثات من القطعان "غير المُنتجة".
"حماية البيت المشترك"
أظهرت أبحاث جديدة الصعوبة القصوى لتحقيق هدف حصر الاحترار المناخي بـ1,5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، الذي يتطلّب خفض الانبعاثات بالنصف تقريباً بحلول 2030.
في شرم الشيخ، دخل مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) - الذي يحضره ممثلو نحو 200 دولة - الاثنين أسبوعه الثاني. وفيما تراجع المناخ إلى المرتبة الثانية في سلّم الأولويات الدوليّة، بسبب جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا والأزمات الاقتصادية وأزمات الطاقة والغذاء، أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى معادلة "التعاون أو الهلاك" إزاء الاحترار المناخي وتداعياته المتسارعة، مخيّراً العالم بين "التضامن" أو "الانتحار الجماعي".
مناشدة غوتيريش ذكّرت بدعوة البابا فرنسيس إلى "الارتداد الإيكولوجي" من أجل حماية "العائلة البشرية والبيت المشترك"، وحديثه عن تحدّيَي تقليص المخاطر المناخية من خلال تقليص الانبعاثات، ومساعدة الناس وتمكينهم من التكيّف مع التفاقم المتزايد للتغيرات المناخية.
كثيراً ما يدعو الحبر الأعظم إلى الاستجابة لقضايا المناخ المُلحّة وتبعاتها. فمؤخراً، في زيارته للبحرين، شدّد على أنّ "ظهور الصراعات يجب ألّا يجعلنا نغفل عن المآسي الكامنة في الإنسانية مثل كارثة عدم المساواة (...) وكارثة تغيّر المناخ". وفي الرابع من تشرين الأول، أُعلن انضمام دولة حاضرة الفاتيكان إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (1992) وإلى اتفاق باريس (2015).
الكنيسة "في وضع جيّد جدّاً"
مع وجود أكثر من مليار كاثوليكي في العالم، فإن الكنيسة الكاثوليكية "في وضع جيّد جدّاً" للمساهمة في مكافحة الاحترار المناخيّ، يقول الباحث في الاقتصاد الزراعي في جامعة كامبريدج شون لاركوم، الذي يرى ومجموعة باحثين أنّ تغييراً بسيطاً في النظام الغذائي من قبل الكاثوليك - الأقليّات في المملكة المتحدة - ستكون له فوائد بيئية كبيرة!
تؤكّد دراسة كامبريدج أنّ مرسوماً بابوياً يحضّ على إعادة إحياء تقليد الامتناع عن تناول اللحوم أيام الجمعة، من شأنه أن يوفّر ملايين الأطنان من الانبعاثات سنوياً.
ما هو تقليد صوم الجمعة؟
يعود تقليد الامتناع عن تناول اللحوم أيّام الجمعة على مدار السنة، إلى إعلان البابا نيكولاس الأول (858م-867م) في القرن التاسع، عندما طُلب من الكاثوليك الامتناع عن أكل اللحوم يوم الجمعة في ذكرى صلب يسوع المسيح وموته، بحسب الإيمان المسيحي، وكنوع من أنواع الكفّارة.
غير أنّ المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) أدّى إلى إصدار البابا بولس السادس (1963-1978) في عام 1966 "الدستور الرسولي" (Paenitemini) الذي سمح للأساقفة باستبدال الصوم و"الإماتة الجسديّة" بأشكال أخرى من أعمال التقوى يوم الجمعة، مثل الأعمال الخيرية أو الصلاة، إلّا خلال فترة الصوم الكبير التي تسبق عيد الفصح.
كذلك، بناءً على توصيات الكنيسة، يصوم بعض المؤمنين الكاثوليك عن اللحوم يوم الأربعاء، وهو اليوم الذي، وفق التقليد، تعرّض فيه المسيح للخيانة على يد تلميذه يهوذا الإسخريوطي الذي باعه بثلاثين من الفضة.
55 ألف طنّ من الكربون سنوياً
سلطت دراسة جامعة كامبريدج الضوء على دعوة الأساقفة الكاثوليك في إنكلترا وويلز عام 2011 إلى العودة لالتزام التقليد الكنسي، موضحة أنّه فيما ربع الكاثوليك المحليّين فقط غيّروا عاداتهم الغذائية، فقد وفّروا أكثر من 55 ألف طنّ من الكربون سنوياً، أي ما يُعادل انبعاثات 82 ألف شخص يستقلّون الطائرة للتنقّل بين لندن ونيويورك خلال عام. وأضافت أن الإيعاز الكنسيّ إذا انسحب على كاثوليكيّي الولايات المتحدة وحدهم، فمن المحتمل أن تكون الفوائد البيئيّة أكبر بعشرين مرّة ممّا سُجّل في المملكة المتحدة.
أظهرت نتائج استطلاعٍ شكّل جزءاً من الدراسة أنّ 28 في المئة من الكاثوليك في إنكلترا وويلز عدّلوا نظامهم الغذائي يوم الجمعة بعد الإعلان الكنسي. من بين هؤلاء، قال 41 في المئة إنّهم امتنعوا عن تناول اللحوم يوم الجمعة، فيما قال 55 في المئة إنّهم حاولوا تناول كمّيات أقلّ.
في ضوء ذلك، احتسب فريق البحث البصمة الكربونية لهذا الانخفاض الطفيف في استهلاك اللحوم من خلال مقارنة الانبعاثات الناتجة عن متوسط الوجبات اليومية لمن يتناولون اللحوم والذين لا يتناولونها في إنكلترا وويلز. وعلى افتراض أنّ الكاثوليك المحليّين التزموا، فإنّ هذا عادل نحو 875 ألف وجبة لحوم أقلّ في الأسبوع، مما وفّر ألفاً و70 طنّاً من الكربون - أو 55 ألف طنّ على مدار عام.
من جهة ثانية، ذكّر الباحثون في دراستهم بأنّ أهمّية هذه الممارسة في الولايات المتحدة دفعت سلسلة مطاعم "ماكدونالدز" إلى إضافة شطيرة برغر السمك عام 1962 على قائمة طعامها، إضافة إلى وجباتها التقليدية من اللحوم.
"نتائجنا تُسلّط الضوء على كيف أنّ تغيير النظام الغذائي بين مجموعة من الناس، حتى لو كانوا أقلّية في المجتمع، يمكن أن تكون له آثار كبيرة على الاستهلاك والاستدامة"، قال المؤلف المشارك الدكتور بو-وين شي من كلّية اقتصاد الأرض في كامبريدج.